لقد بدا زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر وهو يوجه رسالته إلى الشعب العراقي من داخل خيمته وسط المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد داعيا المعتصمين إلى إنهاء اعتصامهم بدا وكأنه نبي مرسل او إمام معصوم وخصوصا عندما قال أنه لم يخرج إلا لطلب الإصلاح للوضع الحكومي المتردي وانه لم يشارك في هذا الإعتصام إلا خدمة للشعب الذي يعاني من سوء الإدارة ومن الفساد الذي يعم كافة مرافق الدولة وخصوصا المؤسسات العسكرية والأمنية والإجتماعية وعلى كل المستويات.
فما ان أعلن رئيس الوزراء العراقي السيد حيدر العبادي عن تشكيلة حكومته الجديدة مبقيا على وزيري الداخلية والدفاع نظرا لحساسية اللحظة العراقية لجهة الحملة العسكرية التي يتولاها الجيش لمكافحة الجماعات الإرهابية وتحرير بعض المناطق من أيدي تنظيم داعش حتى بادر السيد مقتدى الصدر إلى إبداء التجاوب مع العبادي معلنا عن نهاية الاعتصام للحشود الشعبيه التي أتت منذ عدة أيام ومن كافة المناطق العراقية وتجمهرت عند أبواب المنطقة الخضراء وكأنه بذلك يحتفل بنصر إلهي استطاع أن يحققه على رئيس الوزراء بعد الإنذار بالتصعيد الذي وجهه إليه إذا لم يتم إجراء تغيير حكومي محددا يوم الخميس الماضي كآخر مهلة لهذا الانذار.
بغض النظر عن التمثيليات الفولكلورية والاستعراضات الإعلامية والإعلانية التي بات السيد مقتدى الصدر يجيدها جيدا وهو الشاب السيد المعمم الطامح لزعامة سياسية بمنطلقات دينية مذهبية أسوة بغيره من بعض المفردات الدينيه التي نالت حظا وفيرا من هذه الزعامة السياسية المفترضة في بعض دول الجوار.
إلا أنه في الواقع ليس هو الشخص المؤهل لقيادة حركة شعبية إصلاحية للمطالبة بإجراء إصلاحات جذرية وصولا إلى بناء دولة حديثة على اسس عصرية تواكب التطورات سيما وأن العراق دولة غنية بمواردها المائية والنفطية واراضيها الزراعية.
فالموضوع حاليا في العراق ليس موضوع إصلاحات وحكومة جديدة برئاسة العبادي تضم تكنوقراطيين، الموضوع يتلخص بتساؤل هل يمكن استعادة العراق الذي بدا يوما بلدا مزدهرا يعمل كل فرد فيه في المجال والميدان المفترض أن يعمل فيهما؟ وأنه كان الرجل المناسب في المكان المناسب. فأزمة العراق تجاوزت الأشخاص.
فهو البلد الذي يمتلك من الثروات الطبيعية ومن الطاقات البشرية ما يجعله من أقوى دول المنطقة. إلا أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي ولدى توليه السلطة جعل منه بلدا على حافة الانهيار، وقضى على كل أمل في إعادة بناء الدولة خصوصا بعدما استباح حزبه الطائفي والمذهبي كل مؤسسة رسمية وغير رسمية وكل ما يرمز إلى الدولة بما في ذلك الموازنة العامة التي تبخرت بقدرة قادر في وقت جاوز فيه سعر برميل النفط مائة وعشرين دولار، قد يمتلك مقتدى الصدر النيات الحسنة وربما اكتشف أخير أن إيران تعارض قيام مؤسسات عراقية ليست تحت سطوة الميليشيات المذهبية التي أنشأتها، وربما أدرك معنى أن يصل أحدهم إلى السلطة على دبابة أميركية ثم يعلن أنه يقاتل الإحتلال الأميركي كونه يفضل الإحتلال الايراني المباشر.
إلا أن الأكيد أن بناء دولة حديثة لا يمر بأشخاص لا يعرفون شيئا عن كيفية بناء الدول الحديثة بعيدا عن الطائفية والمذهبية ورجال الدين. فمن شروط قيام دولة قوية تواكب التطورات ان تكون لهذه الدولة مؤسساتها الأمنية وفي مقدمتها الجيش الوطني المحترف وليس مجموعة ميليشيات تعتبر نفسها مظلة لهذا الجيش تنفذ عبره مصالح خاصة بها. كما هو الحال مع الحشد الشعبي في العراق الآن.
وجدير بالإشارة أنه لم يعد في العراق من مقومات أو اي شيء حتى يمكن للإصلاحات التي ينادي بها مقتدى الصدر أن تنقذ ما يمكن إنقاذه. وعليه فإن حركة الصدر ليست اكثر من زوبعة في الفنجان العراقي المليء بالمشاكل والأزمات..