بدا أن حدة الأزمة السياسية في العراق، قد تراجعت أمس، بعدما قدم رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى البرلمان تشكيلة حكومية من التكنوقراط، في حين أنهى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر اعتصامه داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، وذلك في ظل فتور وحذر من جانب الكتل السياسية الرئيسية التي هيمنت على المشهد السياسي منذ 13 سنة.
وقدم العبادي إلى هيئة رئاسة البرلمان تشكيلة وزارية من التكنوقراط، تضم 16 حقيبة، ما عدا وزارتَي الداخلية والدفاع بسبب الأوضاع الأمنية في البلاد. يشار إلى أن الحكومة السابقة كانت تضم 21 وزيراً.
وقال العبادي، خلال جلسة مجلس النواب: «نعيش اليوم لحظة تاريخية، وأنا سأقدم التشكيلة الوزارية تنفيذا للإصلاحات، فيها ترشيق وتحترم المكونات». وأضاف إن الوزراء «اختيروا على أسس المهنية والكفاءة والقدرة القيادية، والصلابة في تنفيذ البرنامج الحكومي».
وتابع العبادي: «ربما استثنيت وزارتَين فقط، هما الداخلية والدفاع لسبب واضح، نحن في حالة حرب وعمليات عسكرية ووضع أمني، لذلك أجَّلتهما في الوقت الحاضر». وقال: «لا أستطيع أن أشكل حكومة من دون الانسجام مع البرلمان. أنا طرحت تغييراً جوهرياً، والكتل لم تقدم لي سوى إسمَين فقط، ليس لدي الآن تغيير كلي».
وقدم العبادي ملف الوزراء مغلقا إلى هيئة رئاسة البرلمان. ولم يُخْفِ رئيس الوزراء الضغوط التي تعرض لها من الأحزاب الكبيرة التي تتقاسم السلطة منذ 13 عاماً، موضحاً: «أنا أعرف بوجود البعض الذين يعملون على تأزيم في المواقف».
ويشمل الإصلاح الذي سبق أن صوت عليه البرلمان تغييراً شاملاً لجميع رؤساء الهيئات المستقلة والوكلاء والمديرين العامين والسفراء، وصولا إلى القيادات الأمنية التي شملتها المحاصصات الحزبية والطائفية مع توالي تشكيل الحكومات.
ورشَّح العبادي كلا من الشريف علي بن الحسين، قريب ملك العراق الذي تمت إطاحته في العام 1958، لوزارة الخارجية، ونزار سالم النعمان لوزارة النفط، وعلي علاوي للمالية، وعلي الجبوري للتربية، وحسن الجنابي للزراعة والموارد المائية، وعقيل يوسف للشباب والثقافة، وهوشيار أمين للإعمار والإسكان والبلديات، ويوسف الأسدي للنقل، وعبد الرزاق العيسى للتعليم العالي، ومحمد نصرالله للعدل، وعلاء دشير للكهرباء، ووفاء المهداوي للعمل والهجرة، وعلاء مبارك للصحة.
وطلب رئيس البرلمان سليم الجبوري «التصويت على مبدأ الإصلاح الشامل»، ومنح البرلمان 10 أيام لمناقشة أسماء الوزراء الجدد وشهرا لبت أمر الهيئات السياسية والمناصب الأمنية.
وكان العبادي، الذي ينتمي إلى «حزب الدعوة» الذي يحكم البلاد منذ العام 2005، شكا من شركائه السياسيين، محملاً إياهم مسؤولية عرقلة إجراء الإصلاحات خوفا من فقدان الامتيازات.
وسارع الصدر إلى دعوة أنصاره المعتصمين منذ أسبوعين أمام بوابات المنطقة الخضراء إلى إنهاء الاعتصام. وقال، في كلمة متلفزة من داخل خيمة اعتصامه داخل المنطقة الخضراء: «قام الأخ العبادي بخطوة شجاعة بإعلان تشكيلة وزارية كاملة اليوم (أمس)، عدا وزارتَي الداخلية والدفاع، ووضعها بين يدي مجلس النواب. هذه واحدة من ثمار اعتصامكم وسيتم التصويت عليها خلال أسبوع أو 10 أيام لا أكثر».
ودعا إلى «استمرار التظاهرة الحاشدة بعد كل صلاة جمعة وفي كل محافظة للضغط على البرلمان للتصويت على التشكيلة الوزارية، التي نأمل أن تكون بعيدة عن حزب السلطة، وإنهاء اعتصاماتكم أمام البوابة الخضراء، مع الشكر والتقدير لكم، وعليكم الانسحاب المنظم وتوديع القوات الأمنية وعدم الاقتراب من المنطقة المحصنة، وشكري لما قدمته القوات الأمنية»، مؤكدا أن «أي اعتداء هو اعتداء علي». وعلى الأثر، بدأ المعتصمون بإنهاء تحركهم، وعانقوا رجال الشرطة في المكان، فيما عبَّر آخرون عن فرحهم رقصا في الشوارع.
وطالب الصدر الكتل السياسية بالموافقة على التشكيلة الحكومية الجديدة ضمن مهلة العشرة أيام، مهددا بسحب الثقة من رئيس الحكومة في حال تلكأ البرلمان عن القيام بذلك. وقال: «نهيب بالكتل السياسية التخلي عن المصالح الشخصية وتحمل المسؤولية الوطنية، والنظر إلى المصالح العامة وإبعاد الخلافات السياسية لإتمام مشروع الإصلاح».
من جهة أخرى، استأنفت القوات العراقية عملياتها العسكرية لاستعادة السيطرة على قضاء هيت، أحد أبرز المعاقل المتبقية تحت سيطرة تنظيم «داعش».
وتمكنت قوات الجيش ومكافحة الإرهاب ومقاتلو العشائر من إحكام السيطرة على بلدة كبيسة المجاورة الأسبوع الماضي، لكنها توقفت عن التقدم صوب هيت بسبب الظروف الجوية والأمطار.
ويقع قضاء هيت على حوض نهر الفرات بين مدينتَي الرمادي جنوبا وحديثة شمالا. وإذا ما تمت استعادة هيت فإن ثلاث مدن رئيسية تبقى تحت سيطرة التنظيم في هذه المحافظة، التي تشترك بحدود واسعة مع سوريا والأردن، وهي الفلوجة والرطبة والقائم.
(«السفير»، ا ف ب، رويترز، ا ب)