قد يكون أغرب ما يواكب توافد الزوار الغربيين والدوليين الى بيروت في حركة لافتة تكتسب الكثير من الأهمية والدلالات ان ترصد الأوساط السياسية المحلية مواقف بعضها البعض من هذه الحركة اكثر مما تحمله من رسائل الدعم للبنان. ولذا رصدت أمس مشاركة وزير الخارجية جبران باسيل في اللقاءات والمحادثات التي أجراها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في بيروت باعتبار انها وفرت قطوعاً جديداً على الحكومة في ظل ما واكب الاسبوع الماضي زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون من تداعيات داخل الحكومة بفعل مقاطعة الوزير باسيل لهذه ازيارة.
غير ان هذا الجانب الداخلي الذي يؤشر لبلوغ حال التأزم السياسي مفترقات شديدة التعقيد لم يحل دون قراءة الدلالات البارزة لنتائج زيارة الوزير البريطاني، خصوصا انها اقترنت وتلاقت في الكثير من جوانبها مع الدعم الاميركي العسكري الجديد للجيش اللبناني بحيث تزامنت صور الوزير هاموند وهو يحضر عرضاً قتالياً لقوات النخبة في الجيش في قاعدة حامات العسكرية حيث يشرف خبراء عسكريون بريطانيون على برامج تدريب لقوات النخبة اللبنانية وصورة القائم بأعمال السفارة الاميركية ريتشارد جونز في القاعدة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي يسلم الجيش ثلاث طوافات عسكرية من طراز "هوي – 2" هبة اضافية من بلاده للجيش.
ولفتت مصادر معنية بالحركة الديبلوماسية الدولية والغربية الكثيفة التصاعدية تجاه لبنان عبر "النهار" الى ان مجمل المبادرات والمساعدات والمواقف التي ينقلها الموفدون والزوار الى بيروت باتت تتمحور في شكل رئيسي على ثلاث ركائز ثابتة يجمع عليها المجتمع الغربي والدولي المؤثر في تعامله مع الوضع في لبنان وهي: الدعم القوي للجيش كركيزة أولى واساسية للحفاظ على الاستقرار ومواجهة الارهاب، الضغط ما أمكن في اتجاه تحفيز القوى اللبنانية على انهاء أزمة الفراغ الرئاسي والاقلاع عن الرهانات على مؤثرات اقليمية على هذه الأزمة التي يهدد تماديها مع مشارفتها السنتين بافقاد لبنان فرص النفاد من ربط ازماته بواقع المنطقة المتفجر والمجهول، وزيادة الدعم في قضية اللاجئين السوريين التي تثقل كاهل لبنان وتتهدده في بناه التحتية واقتصاده ووضعه الاجتماعي ريثما تنجلي ملامح الحلول المطروحة لسوريا.
وفي هذا السياق أفاد مراسل "النهار" في باريس سمير تويني أمس ان الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان في 16 و17 نيسان والتي سيتجاوز عبرها الاعتبارات البروتوكولية لعدم وجود رئيس للجمهورية تحمل رسالة أساسية هي اعادة تأكيد الموقف الفرنسي الداعم للبنانيين في صمودهم أمام تداعيات الحرب السورية والعمل على تثبيت الاستقرار الداخلي خلال الأشهر المقبلة ومنع تمدد اللهيب السوري الى لبنان انطلاقاً من المظلة الدولية التي تحمي الوضع اللبناني الداخلي. وانطلاقا من تجاوز الاعتبار البروتوكولي فان هولاند لن يأتي الى بيروت وجعبته خالية من أي حلول أو خريطة طريق يقدمها الى اللبنانيين، خصوصاً ان باريس تدرك ان نجاح الزيارة مرتبط بأفق حل الفراغ الرئاسي وتفعيل العمل الحكومي ومجلس النواب. وقد وضعت باريس من خلال تحديد موعد هذه الزيارة الوضع في لبنان ضمن أولوياتها وخصوصاً بعد سلسلة زيارات لكل من الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديريكا موغيريني والامين العام للامم المتحدة ووزير الخارجية البريطاني بالاضافة الى زيارات متكررة لمسؤولين ايرانيين للبنان. وثمة جانب ملموس بارز يتوقع ان يواكب زيارة الرئيس الفرنسي وهو اعلانه من بيروت توافق فرنسا والمملكة العربية السعودية على ابقاء صفقة الاسلحة الفرنسية التي جمدتها المملكة ضمن هبة الثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني في فرنسا وعدم تخصيصها لاي جهة أخرى بما فيها الجيش السعودي لاعادة منحها للبنان في الوقت الملائم.

هاموند وجونز
وكان وزير الخارجية البريطاني شدد في خلاصة محادثاته مع كل من رئيس الوزراء تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري والوزير باسيل على دعم بريطانيا "الدائم لامن لبنان واستقراره وازدهاره"، واصفاً اللاجئين السوريين في لبنان بأنهم "ضيوف موقتون حتى استقرار الوضع في بلادهم". وتحدث عن أوجه الدعم المالي التي خصصتها بلاده للبنان والتي بلغت 114 مليون جنيه استرليني لبرامج اللاجئين وما يزيد على 365 مليوناً دعماً لاستقرار لبنان و19 مليوناً لمواصلة دعم الجيش. وشدد على انتخاب رئيس للجمهورية قائلاً: "لا يمكن لبنان انتظار تسوية التوترات الاقليمية فنحن نتطلع الى التعامل مع اي رئيس جديد للجمهورية اللبنانية".
بدوره أعلن السفير جونز عقب احتفال تسليم الطوافات العسكرية الثلاث المقدمة من الولايات المتحدة الى الجيش والتي تقدر قيمتها باكثر من 26 مليون دولار "ثبات التزام اميركا دعم تحديث قدرات الجيش الجوية والبرية" وأكد ان العلاقة الأمنية اللبنانية – الاميركية "لم تكن قط أقوى مما هي اليوم".

 

قمة بكركي
ووسط جمود سياسي داخلي سيمتد حتى الاسبوع المقبل، علم ان الصرح البطريركي في بكركي يتحضر لاستقبال لقاء للرؤساء الروحيين المسيحيين الاثنين المقبل في مناسبة الأعياد وعيد بشارة السيدة العذراء (وهي ذكرى اعتلاء البطريرك مار بشارة بطرس الراعي السدة البطريركية). ويجري الاعداد لهذا اللقاء عبر لجنة مصغرة وضعت عناوين للمواضيع الاساسية التي ستطرح خلاله بالتنسيق بين رؤساء الطوائف. وقالت أوساط كنسية لـ"النهار" انه لا بد من موقف مسيحي موحد مما يجري في المحيط والمشاريع الجديدة المطروحة، خصوصاً ان المكون المسيحي متجذر في المنطقة وجزء لا يتجزأ من نسيجها الديموغرافي والحضاري. وأوضحت ان اللقاء سيناقش أزمة الفراغ الرئاسي وسيكرر الزعماء الروحيون الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت لمواكبة التطورات المتسارعة في المنطقة وانهاء الأوضاع المتدهورة في لبنان على كل الصعد.