نظراً لموجة العنف الإرهابي التي تجتاح المشرق العربي منذ سنوات, والتي امتدّت إلى شمال أفريقيا وتجاوزته إلى أوروبا . واعتباراَ لما أدّى إليه هذا الإرهاب (أكان إرهاب دولة,أو إرهاب مجموعات إجرامية منفلتة,غالباً ما زعمت باطلاً أنها تصدر عن تعاليم الإسلام الذي طالما عرفناه سمحاً يتّسع للعيش الكريم مع الآخر المختلف ديناً وعرقاً وثقافة ) من : إلغاءٍ لحدود بعض الدّول الوطنية وإضعافٍ لسلطاته المركزية, بحيث باتت دولاً فاشلة أو تكاد . تهديدٍ وجوديّ لمجتمعات تعدّدية بأكملها في وحدتها واستقرارها وعيشها المشترك الذي نسجته عبر أجيال وأجيال .
تعميمٍ لثقافة الكراهية والتمييز والفصل، جراء أفعالٍ وردود أفعال، هنا بحيث بات هذا العنف يهدد تراث الإنسانية المدنية والديمقراطية والحرية والسلام . وفي بيروت، عاصمة لبنان، هذا البلد الرسالة والتجربة المميزة في احتضان التعدد واحترامه والسعي الدؤوب لحسن إدارته. وبدعوة من المركز العربي للحوار والدراسات_ لبنان، بالتعاون مع مؤسسة كونراد آيدناور المانيا الإتحادية، إنعقد مؤتمر حواري تشاوري تضامني تحت عنوان "حماية التعددية والعيش معا تجارب وتحديات" شارك في أعماله نحو مائة شخصية من بلدان عربية، ما بين علماء دين ورعاة من مختلف الأديان والمذاهب في المنطقة، إلى باحثين ومفكرين وقادة رأي، إلى ناشطين في المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية. بناء على الأوراق المقدمة والمداخلات والمداولات، في جلسات على مدى يومين ( 29,30 أذار /مارس 2016 فندق كراون بلازا) قرر المجتمعون إصدار البيان /النداء التالي بعنوان : إعلان بيروت لحماية التعددية والعيش معاً . أولا : في أن التعددية سمة تكوينية لمجتمعاتنا ونعمة.
1 . خلافا لبعض الأيديولوجيات الإطلاقية التماميّة في النظر إلى الإجتماع الإنسان، والداعية إلى إقامة مجتمعات صافية، تنهض فيما بينها الحواجز والسدود وتحكم علاقاتها نوازع الغلبة والإستتباع، وإلا فالنبذ والإلغاء والمتبادلين،فإننا نعتقد بقوة أن الإختلاف والتنوع والتعدد في مجتمعاتنا إنما هي سمات تكوينية أصلية وهي مصدر غنى لكل منا ولجميعنا .
2 . إن الآخر المختلف، أكان فرداً أو جماعةً، هو جزء من تعريف الذات وحدّ من حدودها غير القابلة للإلغاء إلا في سياقات خرابية إنتحارية، لا يقرّها عقل سليم، فضلاً عن تعاليم دياناتنا وإنجازات الترقي الحضاري.
3 . إننا نحرص على نعمة تعددنا باعتبارها رحمة،كما نعتبر أنفسنا، على اختلافنا، مسؤولين عن بعضنا بعضا أمام الله والتاريخ. لذا " علينا أن نتعلم باستمرار كيف نعيش معا إخوة، وإلا سنموت معا وجميعا بلهاء " على قول أحد حكماء الإنسانية في عصرنا مارتن لوثر كينغ.
4 . إن واقع التعددية في المجتمع ينطوي حكماً على وجود أقليات وأكثرية، بالحسبة العددية غير السياسية. بيد أن حال الأقلية لا ينبغي أن ينتقص شيئاً من حقوق الإنسان الأساسية، كما أن حال الأكثرية لا ينبغي أن يرتب لها امتيازاً على هذا الصعيد. وعليه فإن اختزال المجتمع في بعض مكوناته وتهميش الآخرين هو انحدارٌ بجدارته الأخلاقية وقيدٌ على نهضته. ذلك أنّ النهضة الحقيقية تكون بجميع المكونات أو لا تكون، ولجميع المكونات أو لا تكون . ثانيا : في حماية التعددية والعيش المشترك .
5 . من نافل القول أن مناداتنا بحماية التعددية والعيش معاً تنطوي على قناعةٍ بأنّ المشكلات المحايثة لواقع التعدّد لا تجد حلاً لها بإنكار هذا التعدّد أو محاولة إلغائه، وإنما بحسن إدارته وفقاً لخصوصيات كل بلد، وعلى قاعدة فكرة التسوية التي تقع في أساس أي إجتماعٍ إنساني.
6 . وعليه فإنّ من الواقعية وعين الحكمة أن تضع مجتمعاتنا التعددية في صلب عقودها الوطنية ما يعادل المبدأ القائل بأنه " لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، على غرار ما فعل اللبنانيون بعد الحرب، استنادا إلى تجربتهم الغنية بالدروس في حالتي العيش معاً وللا عيش معاً، تلك التجربة التي أتاحت لهذا البلد أن يكون المكان الوحيد في العالم حيث يتشارك مسيحيون ومسلمون بصفتيهم هاتين في إدارة الدولة ، والمكان الوحيد في العالم الاسلامي حيث يتشارك سنة وشيعة بصفتيهم هاتين في إدارة الدولة.
7 . وتقتضي حماية التعددية والعيش معاً حماية الدولة الوطنية، والإقلاع نهائياً عن نزعة التشكيك في مشروعية الدول الوطنية القائمة في المنطقة العربية، بمعزل عن أنظمتها السياسية التي هي رهن بإدارة مجتمعاتها، وفي منأى عن أي نزعة إلحاقية أو دمجية أو تفريعية إنفصالية على أساس الأيديولوجية القومية أو الدينية، ناهيك عن المذهبية. ولا بد من ملاحظة أن العنف الأيديولوجي المذهبي والعنف المضاد على القاعدة ذاتها يتواطآن اليوم عملياً على تجاوز الحدود الوطنية، بل إلغائها، لصالح أجندات بعيدة كل البعد عن نظام المصلحة الوطنية، كما وتهدر دماء ومصالح وكرامات على مذبح هذا التواطؤ. إن ما نسجه العيش المشترك على الصعيد الوطني من روابط وجدانية وإنتمائية وثقافية ومصلحية يسوّغ القول بلا تأتأة : "وطني أولا" كما هي حال كل شعوب الدنيا .
8 . ولا ريب بداخلنا في أن الدولة الوطنية، الراعية للتعددية والعيش المشترك، ينبغي أن تكون دولة مدنية تميز تماماً إلى حدِّ الفصل بين الدين والدولة، بوصف هذه الأخيرة شأناً مشتركاً لمواطنين متساوين ومختلفين، كما تميز تماماً إلى حدِّ الفصل بين الدين والسياسة، بوصف هذه الأخيرة تنافساً مشروعاً لخدمة الشأن العام وفق أصولٍ ديمقراطيةٍ سلمية. كذلك فإن توظيف المقدّس (الدين) في السياسة هو ترهيبٌ للناس من جهة، وافتراءٌ على المقدّس نفسه من جهةٍ ثانية وفي الوقت عينه. ثالثا : في تضامن الإعتدال . في سبيل مَشرِق العيش معاً في متوسط العيش معاً في عالم العيش معاً بسلام . رابعا : تشكيل هيئة متابعة تقوم بالتواصل مع كل المؤسسات والجهات المعنية بقضية حماية التعدد والعيش المشترك .
مؤتمر حماية التعددية والعيش معًا:
تجارب وتحديات