مع بدايات تدخل حزب الله بالمعارك في سوريا بشكل علني، وإرسال أرتال مقاتليه للجهاد هناك إلى جانب بشار الأسد كان لا بدّ له من بذل جهود جبارة ترافقت أو سبقت هذا الإعلان لخلق حملة دعائية ضخمة ساهمت في إقناع ليس مقاتليه طبعا الملتزمون تلقائيًا بأيّ "تكليف" يتلقونه والحاضرون بلا أيّ تردد للعمل وفق هذا التكليف او ذاك.
وانّما المقصود من الحملة المذكورة هو تأمين الأجواء الضرورية في الدائرة التي تحيط به من البيئة الحاضنة، وبناءً عليه فلم يألُ الحزب جهدًا بزجّ كل ما تيسر له من حجج وتعليلات ومبررات من أجل إضفاء شرعية كانت مفقودة حتمًا وشبه مستحيلة التحقق في الوجدان الشيعي العام.
معلوم لدى الجميع بأنّ رزمة ضخمة من الدعاية التسويقية استعملت بإتقان في سبيل تحقيق هذا الهدف، ولعلّ أهمها على الإطلاق ما شيّع حينها عن "مهدوية" هذه المعركة، وسمعنا بشكل واسع الكثير من الأحاديث المدعومة بروايات ونصوص قيل أنّها صادرة عن أهل البيت (ع) تنبئنا بخروج السفياني، عدو الإمام المهدي الأول من الوادي اليابس والحاجة الملحة والواجبة لمقاتلته في عقر داره والوادي اليابس كانت حينئذ هي درعا منطلق الثورة يومها.
تلقف الكثيرون من مساكين وسذج الجمهور الشيعي يومها هذه الخدعة وصدقوها إلى حد اعتبارها حقيقة موثقة، حتى صار المشكك بها فضلًا عن من حاول فضحها أو تكذيبها يتهم بدينه وانتمائه ويصنف على أنّه يقف في وجه إمام زمانه ويعمل مع عدوّه ويسعى لتأخير الظهور المنتظر منذ آلاف السنين ويتحمل الآن وزر تأخير اللحظة الموعودة!
الملفت في هذا الموضوع هو اختفاء الحديث عن الظهور والسفياني والإمام المهدي والخلاص والفرج وكل هذه الديباجة منذ فترة، ولم يلتفت أحد من الذين روجوا واقتنعوا بها ولم يكلفن أنفسهن بالوقوف والتأمل حتى، ولم نعد نلحظ لهذه القضية ومحمولاتها العقدية أيّ أثر يذكر في الأحاديث والنقاشات المتداولة داخل صالونات السهرات الشيعية، بعد أن كان لها الحيز الأكبر من حواراتنا اليومية!
وكأنّها انسلت من بين ظهرانينا وتوقف التداول بها بعد أن أدّت ما هو مطلوب منها من شحذٍ للهمم وسلب لأيّ موضوعية في مرحلة حساسة جدًا من التحول المطلوب والإتجاه الجديد المسقط على الأذهان كما على البندقية، حتى إذا ما حصل التبديل المطلوب وصار أمرًا واقعًا فلم يعد لكل تلك الروايات والأحاديث من وظيفة تذكر ليحل محلها ببساطة مقولات تناسب الظروف المستجدة ابتداءً من حماية لبنان ووصولاً إلى تحصين ظهر المقاومة وغيرها وغيرها!
ومع تطور الأحداث والمستجدات التي تطرأ يوميًا على سياق المتغيرات الميدانية في سوريا، وبالخصوص هنا بعد مرحلة التدخل الروسي في زمن ما بعد التوقيع على الإتفاق النووي وما تبعه من تقارب أميركي إيراني وما نشهده من تقلّص واضح لدور طهران الذي أعتقد جازمًا أنّه نتاج حاجة ورغبة إيرانية قبل أن يكون هذا "الإنسحاب" التدريجي بندًا غير معلن من بنود الاتفاق المذكور.
وهنا يحلو السؤال الكبير: هل كان ظهور الإمام المهدي عليه السلام وبالتالي ما سبقه من خروج للسفياني في سوريا هو شرط ضروري لتحسين ظروف التفاوض للوفد الايراني ليس إلاّ، وقد عاد عليه السلام إلى غيبته الكبرى مع توقيع الاتفاق؟؟؟ وماذا سوف يحلّ بباقي الحجج والتبريرات التي استعملت هي الأخرى وما هو مصيرها مع اقتراب الحديث عن الاتفاق المبرم بين بوتين وكيري في موسكو والقاضي بترحيل الاسد ؟؟؟ فهل من مدّكر ؟