الربيع العربي، بالتأكيد لم يكن ربيعاً بل كان صيفا حارا على الشعوب العربية تزيد من حرارته نيران القذائف والمدافع والصواريخ. وفي الأغلب لهيب المتفجرات التي انتشرت بشكل واسع نظرا لسهولة استخدامها ولوفرتها وأمكانية الحصول عليها بأسعار ميسرة في كافة الدول التي هبت عليها رياح الفوضى المتفلتة. 

وهذا الربيع يعيدنا إلى ما كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس ذكرته عندما تحدثت عن الفوضى الخلاقة والشرق أوسط جديد،  فهذه الفوضى التي عمت معظم الدول العربية ابتداءا من تونس إلى مصر إلى ليبيا واليمن إلى سوريا مرورا بالعراق فإنها انطلقت على شكل حركات شعبية  إصلاحية ضد أنظمة استبدادية. عرفنا متى بدأت شراراتها الأولى ولكن من الصعب جدا تحديد نهاياتها خصوصا مع دخول عوامل دولية واقليمية عليها بحيث حرفتها عن مساراتها وحولتها من ثورات شعبية محقة ضد حكام ظلمة، إلى حروب أهلية بلا أفق تتغذى بعوامل طائفية ومذهبية وقومية أدت إلى تدمير البنى الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول فضلا عن ضرب الأمن والاستقرار فيها بعد أن خيم عليها شبح الموت والدمار والقتل المجاني. 

ولنا أن نتساءل أنه إذا كانت هذه هي الفوضى الخلاقة. فأي شكل سيكون بنهايتها عليه الشرق الأوسط الجديد؟ 

لا شك أنه من السابق لأوانه الإجابة على هذا التساؤل. لكن مع الوهن الذي ضرب العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه ومع التضييق على حرية الشعوب العربية التي أصبحت مسلوبة الإرادة من حكامها وعاجزة عن التعبير عن رأيها والمطالبة بحقها.

فإن الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية عقدت العزم على التدخل في المنطقة لصياغة نظام إقليمي جديد يحقق لها مصالحها الإستراتيجية ويتوافق مع السياسة التي تنتهجها في التعامل مع المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط،  فمنذ سنوات تم التخطيط لتقسيم دول المنطقة بما يحفظ أمن الكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية حتى لو كان ذلك على حساب مصالح دول المنطقة الأخرى وضد إرادة شعوبها وضرب السيادة الوطنية لكل دولة. 

وفي المشهد العربي المأزوم تبدو سوريا على قاب قوسين او أدنى من التفتيت إلى كيانات هجينة بعنوان أن النظام الكونفدرالي هو الذي يناسب سوريا ويتلائم مع طبيعتها السكانية بالترويج له على أنه المخرج الوحيد من الأزمة الطاحنة التي يعاني منها الشعب السوري في الداخل والخارج والذي يبحث عن الخلاص من المأساة التي يعيشها بعدما سلبت منه حريته وكرامته. 

وفي معرض الحديث عن حل للأزمة السورية فأن الولايات المتحدة الأميركية ومعها روسيا تصنعان الحل وهما الراعيتان له وفق مصالحهما فقط وبما لا يتفق مع مصالح وتطلعات الشعب السوري. وخارج المفاوضات التي تجري التي تجري في جنيف 3 بين طرفي الصراع السوري النظام والمعارضة.

وفي ذلك انتهاك لميثاق الأمم المتحدة وتكريس لمبدأ التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة. على ان الخطورة في ذلك ان الدول الثلاث الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تتصرف وكأن  هذه الأزمة لا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد وكأنها ملحقة بالدولتين أميركا وروسيا.

وفي ظل هذا الوضع الخطير تبدو الدول العربية محاصرة داخل مثلث، أحد اضلاعه جماعات ارهابية تحمل فكرا تكفيريا لكافة الأفكار والأيديولوجيات وتدميريا لكل مناحي الحياة العصرية ومنتشرة على كافة أرجاء الوطن العربي لسهولة الوصول إلى كل زاوية من زواياه.

والضلع الثاني أطماع إيران التي تحاول تصدير ثورتها إلى خارج الحدود وفرض وقائع تخدم مصالحها. أما الضلع الثالث وهو الأخطر استعمار دولي جديد للمنطقة يرسم ملامح الشرق الأوسط الجديد.

هذا في الوقت الذي يقف فيه العالم العربي على هامش التطورات بانتظار الحلول المستوردة من الخارح لازماته ومشاكله..