رغم ما يقال عن استتباب محدود للأمن، وإيصال الأغذية والأدوية، ووقف القتل جزئيا، فإن الكاسب الأول من وقف إطلاق النار في سوريا هو نظام بشار الأسد، في الظروف الحالية. فالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يقوم بمحاصرة وتنظيف المناطق التي احتلها تنظيم داعش، وتمثل نحو خمس مساحة البلاد، التي في معظمها تتحول إلى سلطة قوات النظام أو حلفائه. أيضًا، وقبيل الشروع في تطبيق الهدنة، هاجم الروس مناطق المعارضة الوطنية في حلب والشمال، وقطعوا كثيرا من طرق الإمداد المعيشي من تركيا إلى المدن السورية، وكذلك ممرات السلاح والمقاتلين للمعارضة. وتزامن النشاط العسكري الروسي مع الضغوط الغربية على تركيا لِلَجْم المعارضة المتطرفة. كان على تركيا أن تمنع نشاطات المعارضة المماثلة لـ«داعش»، مثل جبهة النصرة، نتيجة تفجيرات باريس، وعمليات غزو اللاجئين المليونية التي خرجت من أراضيها باتجاه أوروبا، وألمانيا تحديدا.
في الوقت نفسه الذي يضيق فيه الروس والأوروبيون على تركيا، انقض «داعش» على الأتراك ونفذوا عددا من العمليات الإرهابية، ويعتقد أنها عمليات انتقامية، لأن السلطات التركية شددت من إجراءاتها ضد حركة مقاتلي التنظيم، ونشاطاته العابرة للحدود إلى سوريا. وقامت الحكومة بسلسلة إجراءات لتخفيف الضغوط الخارجية، ومحاولة فرض الاستقرار الذي يهدده كل من مقاتلي «داعش» ومتمردي أكراد تركيا، مثل وقف دخول اللاجئين السوريين ومنع التأشيرات.
لهذا قلت إن النظام السوري مستفيد من الهدنة، في ظل قطع الشريان التركي، أو تقليصه، واستمرار الميليشيات التابعة لإيران، «حزب الله» والعراقية، في عملياتها العسكرية ضد المعارضة السورية. وفي الوقت نفسه فإن الهدنة، نفسها، يفترض أن تكون جزءا من مشروع الحل السياسي، الذي يتفاوض عليه المتحاربون في سويسرا برعاية الأمم المتحدة. إنما كل مؤشرات المفاوضات لا توحي بجدية للحسم، بل كل ما طرحه المبعوث الدولي دي ميستورا في خطته عبارة عن تنظيم الوضع على الأرض، خلال الفترة المقبلة، وترك صيغة الحل للمتفاوضين دون أدنى التزام بالكيفية الأخيرة للحل، مما يعني ضمنا بقاء الأسد في حل توافقي محتمل!
هل هذا الوضع السيئ، بتعزيز قدرات وسلطات الأسد على الأرض، ومحاولة إخراج الأتراك من المعادلة، وتخدير المعارضة بهدنة لا ضمانات فيها، يمكن أن يحقق المشروع الإيراني الروسي بإعادة تأهيل السلطة المركزية، دون تغيير جوهري في النظام؟ كل المؤشرات تدل على هذا التوجه، لولا أن الوضع على الأرض يتحداهم بصعوباته. لا يمكنهم السيطرة على عشرة ملايين مهجر ومشرد، في الداخل والخارج، ولا إنهاء الميليشيات، في وقت تكون فيه قدرات النظام الأمنية والعسكرية من الضعف، بحيث لا يمكن أن تسيطر من دون دعم ميليشيات حليفة مثل «حزب الله».
فعليا، الهدنة ليست مشروع سلام، بل هي مشروع إبطاء سرعة الأزمة، التي لو نجحت، أي الهدنة، ستنجح في تحويل سوريا إلى صومال آخر، حيث يمكن للأسد أن يستمر في العاصمة، ويسيطر على جزء يسير من الدولة، وتبقى بقية المناطق في فوضى مستمرة، بوتيرة أقل من الحرب السابقة. فالنموذج الصومالي، في أعين الذين يرونه أقل السيئات، رغم أن العنف لم يتوقف يوما واحدا منذ سنين طويلة، إلا أنه لم ينتقل إلى الدول المحاورة مثل إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي.
هذا خيار سيئ، أولا للشعب السوري بفرض النظام، وثانيا للمنطقة، لأنه ليس صحيحا أنه يمكن منع تصدير العنف إلى ما وراء الحدود، بحكم الامتدادات، مثل الأكراد مع تركيا، و«داعش» نحو العراق، نتيجة استمرار جيوب الفوضى هناك.