أتاحَ تأجيل جلستَي الحوار الوطني أمس ومجلس الوزراء اليوم، بوفاة والدة رئيس الحكومة تمّام سلام، فرصةً لالتقاط الأنفاس وتهدئة النفوس وإجراء مزيد من المشاورات، لإزالة التشنّج الذي كان متوقّعاً ارتفاع منسوبه في هاتين الجلستين، على خلفية ما أثيرَ من قضايا وملفّات، وفي مقدّمها ملف التوطين السوري، وما رافق زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لبيروت وتلاها من مواقف وتبادُل اتّهام بين كتلتَي «المستقبل» و»التغيير والإصلاح»، إلى ملفّ تفعيل العمل النيابي لمناسبة دخول مجلس النواب عَقده التشريعي الأوّل هذه السنة، حيث يصرّ رئيس المجلس نبيه برّي عليه وترفضه أطراف سياسية، وفي مقدّمها «تكتّل»التغيير والإصلاح» لأسباب عدة. وشدّد بري أمس على وجوب «تفعيل عمل المجلس والتشريع، لأنّ هذا الأمر أصبح أكثر من ضروري لمصلحة البلد، ونعرف دائماً كيف نحفظ مصلحة لبنان واللبنانيين والأصول في آنٍ معاً». سرَقت الأضواء أمس زيارةُ الرئيس سعد الحريري لموسكو تلبيةً لدعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وعلمت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية في موسكو انّ هذا اللقاء الذي تبعَه غداء على شرف الحريري والوفد المرافق دامَ ساعتين ونصف ساعة، وتمّ خلاله البحث في أزمة الرئاسة اللبنانية، حيث طلب الحريري مساعدة روسيا على حلّها، لِما لها من دور اساسي وتأثير في المنطقة، ولا سيّما في ايران وسوريا، بغية إنجاز هذا الاستحقاق.

وفي المعلومات انّ الجانب الروسي، وعلى رغم اعتباره انّ الرئاسة شأن لبنانيّ داخلي، أبدى رغبته في المساعدة واعداً ببذل جهد في هذا الإطار والعمل على الدفع في اتجاه حل الأزمة الرئاسية. كذلك شدّد على اهمّية الوجود المسيحي في الشرق وعلى دور لبنان الذي هو رمز التعايش الإسلامي ـ المسيحي.

وتطرّقَ الجانبان الى التطورات الجارية في المنطقة، ولا سيّما منها الأزمتان اليمنية والسورية. وأطلعَ لافروف الحريري على أجواء لقاءاته مع الجانب الاميركي، مؤكداً جدّية موسكو في السعي لإيجاد حلّ سياسي في سوريا والضغط على جميع أطراف النزاع للوصول الى حلّ ضمن المهَل الزمنية المحدّدة.

وأكد لافروف استعدادَ بلاده للمساهمة في تعزيز قدرات الجيش اللبناني، مشدّداً على «ضرورة أن يحلّ اللبنانيون مشكلاتهم بأنفسهم، في معزل عن التدخلات الخارجية.

وأكّد لافروف أنّ بلاده «تعمل بانتظام مع كافة القوى السياسية اللبنانية وليس فقط مع الحكومة... وهذا يعكس اهتمامنا بالحفاظ على أسس المجتمع اللبناني ومؤسسات الدولة اللبنانية، ونحن نرغب ونحرص على أن يتمكن لبنان من التغلّب سريعاً على الأزمة الداخلية التي يعاني منها».

وشدّد على أن «لا بدّ للشعب اللبناني بنفسه وبمفرده أن يحلّ كلّ المشكلات التي تواجهه، وذلك مع مراعاة سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلاله، وبعيداً من أيّ تأثير من الخارج». وقال: «نحن نتطلّع إلى أن يتّخذ جميع الشركاء الخارجيين الموقفَ نفسه ويحترموا هذه المبادئ، وذلك للمساهمة في خلق الظروف المؤاتية التي ستُمكّن لبنان من التغلّب على مشكلاته الداخلية».

وأوضحَت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها أنّ لافروف والحريري «أعربا عن قلقِهما المشترك من مستوى الخطر الإرهابي في لبنان، والذي لا يتراجع، إذ أكّد الوزير الروسي في هذا السياق استعداد موسكو للمساهمة في تعزيز قدرات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية».

وأضاف البيان أنّ لافروف «أكّد دعمَ موسكو لسيادة لبنان ووحدة أراضيه، وشدّد على ضرورة الاحتفاظ بالوئام بين مختلف الطوائف ومكوّنات المجتمع الإثنية عن طريق الحوار بين السياسيين اللبنانيين على أساس دستور البلاد، بعيداً من أيّ تدخّلات خارجية».

من جهته، أو ضَح الحريري أنّ لبنان والمؤسسات فيه «يمرّان في مرحلة صعبة جداً ولا سيّما في ظلّ ما يجري من حوله». وتحدّث عن «تدخّلات تحصل في المنطقة، وخصوصاً في لبنان لمنعِ انتخاب رئيس للجمهورية، ونحن نرى أنّه يجب علينا أن نتشاور في هذا الموضوع». وأضاف: «نحن نثمّن الدور الكبير الذي تضطلع به روسيا في المنطقة، ونتطلع إلى أن يكون لكم دور في لبنان أيضاً، وأن نتعاون لمكافحة الإرهاب الذي تشهده المنطقة، وخصوصاً ما يحدث على حدودنا في لبنان».

هاموند في بيروت

على صعيد ديبلوماسي وفي خطوة اعتبِرت تضامناً مع لبنان ودعماً للقوى العسكرية والأمنية التي تخوض مواجهة ضارية مع الإرهاب على الحدود اللبنانية ـ السورية وفي الداخل اللبناني، وصل الى بيروت أمس وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند في زيارة رسمية لم يعلن عنها مسبَقاً لأسباب أمنية وسياسية وديبلوماسية، يلتقي خلالها بدءاً من العاشرة صباحاً سلام في دارته في المصيطبة، قبل أن يزور بري فباسيل عند الثانية والنصف بعد الظهر، يلي ذلك مؤتمر صحافي مشترَك بينهما عند الثالثة عصراً.

وقالت مصادر مطّلعة لـ»الجمهورية» إنّ هاموند الذي قد يزور مركزاً لإيواء النازحين السوريين في لبنان «سيعلن عن دفعة جديدة من المساعدات للبنان، من ضمنِها معدّات عسكرية للجيش اللبناني، وتحديداً للألوية المكلّفة حماية الحدود، بهدف توفير مراقبة هذه الحدود ورصدِ التحرّكات المشبوهة في مختلف الظروف».

تسليح الجيش

وفي سياق متّصل، يقدّم الجيش الأميركي اليوم ثلاث مروحيات «هيوي» للجيش اللبناني. وهذه المروحية هي طائرة متعددة المهمات، مصمّمة لنقل القوات والدعم. ويستخدمها الجيش اللبناني لإعادة إمداد قوات الحدود أو لزيادة عديد الجنود في حال وقوع حادث. وتبلغ قيمة هذه المساعدة نحو 26 مليون دولار. وسيحتفل الجيش والسفارة الاميركية بتسليم هذه المروحيات اليوم في قاعدة بيروت الجوّية.

صفقات سلاح

في الموازاة، تحدّثت صحيفة «لاتريبون» الفرنسية عن استعداد سعودي وفرنسي لتوقيع عقود وصفقات سلاح ضخمة في 25 نيسان المقبل لمناسبة زيارة وليّ وليّ العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لباريس. ولفتَت الصحيفة الى أنّ مجموعة من العقود اقتربَت من الحسم، وأبرزها صفقة تشمل نحو 35 زورقَ خفَر سواحل مجهّزة أنظمة «تاكتيكوس» القتالية من إنتاج الإنشاءات الميكانيكية في نورماندي، وتسليح شركة «تاليس» بقيمة 600 مليون يورو.

ومن العقود التي قطعت المفاوضات فيها أشواطاً متقدمة، صفقة طائرتي تزويد الطائرات الوقود في الجو، وهي من طراز «ايه 300-200 إم. آر. تي. تي»، والتي تنتِجها شركة «إيرباص» ولم تتّضِح قيمتها المالية بعد.

وكشفَت الصحيفة أنّ السعودية وفرنسا، ستنظران بالمناسبة في العقد العسكري الضخم المعروف باسم «دوناس» الذي تتجاوز قيمته 2.5 مليار يورو، والذي كان يقوم في جزئه الأكبر على تَوريد السعودية معدّات عسكرية متطوّرة لفائدة لبنان وقواته العسكرية، ولكن بعد التطورات التي شهدتها الأوضاع الداخلية اللبنانية وقرار الرياض بتجميد الصفقة الثلاثية، من المنتظر أن تكون وجهة «دوناس» الرياض عوضاً عن بيروت، بعد تأكيد اللجنة السعودية ـ الفرنسية، استمرارَ العقد، بعد الاتفاق على نحو 80% من التجهيزات التي تُشكّل الصفقة وقرار تسليمها إلى الجيش السعودي بدلاً من الجيش اللبناني.

أمّا عن العقود الجديدة والمشاريع التي يُنتظر الانتهاء منها قبل زيارة وليّ وليّ العهد السعودي لباريس، فتضمّ مجموعة كبرى من الأجهزة والأسلحة المتنوّعة والمتقدمة، التي يتفاوض فيها الطرفان حاليّاً في إطار الإعداد لهذه الزيارة.

وعلى مستوى التجهيزات العسكرية البرّية، قالت الصحيفة إنّ المفاوضات والمحادثات تدور حاليّاً حول بعض التعديلات والإضافات التي تريد السعودية إدخالها على صفقة السلاح اللبنانية السابقة، بما يتماشى وخصائص القوات السعودية، مثل مدرّعات «إم كاي 3 « و»شيربا»، والتي سيَبلغ عددها 250 مدرّعة، إلى جانب 7 مروحيات من طراز «كوغار»، إلى جانب 24 مدفعاً ثقيلاً ذاتيّ الدفع من طراز «كايزر».

سلام

إلى ذلك، لا يزال الكلام عن توطين النازحين السوريين في لبنان يتفاعل منذ زيارة بان الأخيرة للبنان. وأكد رئيس الحكومة «أنّ لبنان بكلّ فئاته يرفض التوطين». وقال خلال افتتاح المؤتمر المصرفي العربي في بيروت في كلمة ألقاها الوزير محمد المشنوق نيابةً عنه: «كفى تلويحاً بشبَح التوطين وتخويف اللبنانيين بهذه الفزّاعة». وانتقد سلام وزير الخارجية جبران باسيل من غير أن يسمّيه، وأكّد «أنّ المصلحة الوطنية للبنان تقتضي التعامل بأكبر مقدار من الاحترام مع المقامات الدولية».

دو فريج

وفي المواقف، قال الوزير نبيل دو فريج لـ«الجمهورية»: «إنّ تصرّفَ وزير الخارجية غير مقبول، فبان كي مون لم يأتِ ليطلبَ التوطين، وليس هناك أيّ إشارة في لقاءاته تدلّ الى هذا الامر.

وأصلاً القرار مُتّفَق عليه لدى جميع اللبنانيين، فلا أحد يقبل بالتوطين، هناك 400 ألف فلسطيني موجودون في لبنان منذ عام 48 لم يتمّ توطينهم، ولو كان لبنان قابلاً لهذا الامر لحصَل خلال سنوات الحرب الأهلية. لذلك كفى القول إنّ هناك تواطؤاً ومشاريع مشبوهة، ونحن أوّل من سيتصدّى لمخطط التوطين عندما نرى أنّ الامور ستؤدّي الى حصوله».

إستياء قضائي

وعلى صعيد فضيحة الإنترنت، كشفت مصادر قضائية واسعة الاطّلاع لـ»الجمهورية» عن أجواء من الرفض والاستنكار لطريقة التعاطي مع القضاء في ملف الإنترنت، ودعَت الى التروّي في تناول هذا الملف طالما إنّه بات في عهدته ومن الأفضل تركه يَعمل.

وقالت هذه المصادر إنّ القضاة المكلّفين هذا الملف في النيابات العامة العسكرية والتمييزية والاستئنافية في جبل لبنان يواصلون عملهم بمعدّل 20 ساعة يومياً، وعلى السياسيين وقفُ الجدل في هذا الموضوع الى ان يقول القضاء كلمتَه في الملف بعيداً من المزايدات السياسية والشعبوية.

على المسار القضائي

تزامناً، تواصلت الإجراءات القضائية على غير مستوى، وكشفَت مصادر قضائية لـ»الجمهورية» انّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر أحال الى النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان محضر التحقيقات التي اجراها معاونه القاضي داني الزعني مع موظفي شركة «اوجيرو» حول ما ورد فيها من معلومات ووقائع في اعتبار هذه الشركة صاحبة الإختصاص، وتحديداً في ما أفادوا به عن تعرّضهم للضغوط والضرب. وهو ما فُسّر على انّه رفض لإقفال الملف لما فيه من جرم مرتكَب، وهو ما سيُعتبر سعياً الى تحديد المسؤوليات في هذا الملف.

وفي جانب آخر علمت «الجمهورية» ايضاً أنّ القاضي صقر طلب من فرع المعلومات الإستقصاء عن تغاضي القوى الأمنية في مراقبة نقلِ وتركيب محطات الأجهزة اللاقطة في اربعة مراكز في الضنّية وعيون السيمان وفقرا والزعرور، خصوصاً أنّها صحون كبيرة قطرُ بعضها يبلغ 3 أمتار، وقد استغرق تركيب محطة الضنية ثمانية أشهر، وعيون السيمان اربعة اشهر أيضاً، من دون ان تحرّك القوى الأمنية ساكناً أو تسأل عمّا يجري هناك.