شاءت الأقدار أن تتأجل جلسة طاولة الحوار الوطني التي كانت مقررة اليوم الى موعد آخر، بسبب وفاة والدة الرئيس تمام سلام (تميمة مردم بك ابنة الأسرة الدمشقية العريقة)، لكن الملفات الخلافية "المعمّرة" بين أقطاب الطاولة تبدو من أعمارها طويلة جداً تقاوم الحلول وتستنزف اللبنانيين، من دون هوادة.

ومن بين الملفات المستعصية العائدة من تحت الطاولة الى فوقها، مسألة "تشريع الضرورة" التي كان الرئيس نبيه بري يتهيأ لطرحها على المتحاورين، على قاعدة أن "الأمن التشريعي القومي" الذي أملى عقد جلسة تشريعية سابقة في ظل غياب رئيس الجمهورية، هو ذاته يملي حاليا تكرار السيناريو، استناداً الى الأسباب الموجبة ذاتها.

لكن المفارقة أن "خط الاستواء" السياسي الذي كان يفصل بين المواقف المتعارضة حيال مبدأ التشريع وسط الشغور، في المرة الماضية، عاد ليمتد بين ضفتي الـ"مع" والـ"ضد"، وكلٌ يتسلح بالدستور لتبرير موقفه وتحصينه، في إشارة إضافية الى أن الدولة في لبنان هي مزرعة.. بدساتير كثيرة.

وبينما يتخبط الحوار الداخلي بمآزقه، فضّل الرئيس سعد الحريري حواراً من نوع آخر، مع عاصمة تساهم في صناعة القرار الفعلي، "لأنك إذا أردت ان تعرف ماذا سيجري في بيروت فقد بات عليك ان تعرف ماذا يجري.. في موسكو". ومن المقرر ان يلتقي الحريري اليوم في العاصمة الروسية وزير الخارجية سيرغي لافروف، يرافقه وفد يضم الوزير نهاد المشنوق والمستشار غطاس خوري ومدير مكتب رئيس "المستقبل" نادر الحريري.

وفي انتظار اتضاح اتجاهات الريح الدولية والإقليمية، أعادت "السفير" تظهير حقيقة مواقف اقطاب الحوار من "تشريع الضرورة" الذي يتقدم على جدول الأعمال المحلي، فكانت هذه الحصيلة التي تعكس انقساماً حاداً يتجاوز في دلالاته إطار عمل مجلس النواب الى بنية النظام الهشّة التي تفرز مع كل "فصل" سياسي أزمة جديدة.

السنيورة.. والمثل الشعبي

فقد أكد الرئيس فؤاد السنيورة لـ"السفير" تأييد "كتلة المستقبل النيابية" مبدأ "تشريع الضرورة"، كما كان موقفها في السابق، لأنه لا يمكن القبول بتوقف عجلة الدولة عن الدوران.

وحول الاعتراضات من قبل البعض على عقد جلسة تشريعية، في ظل غياب رئيس الجمهورية، أشار الى ان "تيار المستقبل" يشدد في أدبياته السياسية على أن الأولوية هي لانتخاب الرئيس، لكن، أما وإن ذلك لم يحصل بعد، فهل نعطل المؤسسات الدستورية الأخرى؟

وأضاف: إن واقع الحال ينطبق عليه المثل الشعبي القائل: "صحيح ما تقسم، ومقسوم ما تاكل، وكول لتشبع".. ممنوع انتخاب الرئيس وممنوع التشريع.. فما هو المسموح؟

جنبلاط: مع التشريع

وقال النائب وليد جنبلاط لـ "السفير" إن المشهد اليوم يشبه كثيراً ذاك الذي كان سائداً عشية الجلسة التشريعية في العام الماضي، لافتاً الانتباه الى انه لا بد من عقد جلسة جديدة، على قاعدة "تشريع الضرورة" التي اعتمدت سابقاً، لأن هناك مشاريع ملحّة وحيوية ينبغي إقرارها.

وأشار الى اهمية العرض المقدم من الأمم المتحدة والبنك الدولي لمنح مبالغ من أجل تحسين أوضاع النازحين السوريين والمحيط اللبناني المضيف، مشدداً على وجوب عدم إضاعة هذه الفرصة.

وتعليقاً على تخوف "التيار الوطني الحر" من توطين اللاجئين السوريين، قال جنبلاط: أنا لا أرى توطيناً، ولا أجد مبرراً للذهاب الى النظريات القصوى، وأعتقد أنه عندما تستقر الأوضاع في سوريا فإن اللاجئين سيعودون اليها.

وحول قانون الانتخاب، لاحظ ان الاتفاق حوله لا يزال متعذرا، ولذلك فمن الافضل اعطاء الاولوية لانتخاب رئيس الجمهورية، حتى يكون له رأي في قانون الانتخاب.

وعن مسار التعامل مع ملف فضيحة الانترنت، أبدى جنبلاط خشيته من الضغط الذي يمكن ان تمارسه على القضاء مجموعة المصالح الامنية والوزارية والتجارية والاعلامية، وهي مصالح كبرى جدا، ما يتطلب من القضاء ان يكون محصنا في مواجهتها.

 

( السفير)