أثارت تصريحات رئيس الهيئة الشرعية لحزب الله اللبناني محمد يزبك حول “المارونية السياسية” ردود فعل غاضبة في أوساط النخبة المسيحية.
وكان يزبك صرح مؤخرا أنه “لا يمكن العودة بالوطن إلى الماضي، فنحن شركاء في بناء هذا الوطن، ومن أهم مكوناته إلى جانب كل المكونات الأخرى، ولهذا من يظن أو من يحلم بتغييره، ويأخذ المكونات إلى جانبه فهو مخطئ”.
وشدد رئيس الهيئة الشرعية للحزب “نحن لن نقبل بالعودة إلى حيث كانت المارونية السياسية، كما لن نقبل اليوم بتسمية سياسية أخرى رديفة، وكذلك نرفض عودة ‘النغمة القديمة’ بأن قوة لبنان في ضعفه، فقوة لبنان في مقاومته وجيشه وشعبه”.
والمارونية السياسية هي مصطلح أطلق على الحياة السياسية في لبنان خلال فترة الانتداب الفرنسي، وبعد الاستقلال إلى حين اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 التي انتهت بتوقيع اتفاق الطائف في العام 1989.
وتميزت تلك الحقبة بهيمنة الطائفة المارونية على الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، واختلف تقييم السياسيين والمحللين بشأنها.
واستنكر يزبك خلال حفل تأبيني نظمه الحزب بحضور فعاليات وشخصيات سياسية وحزبية، الموقف القائل “بأن لا مساعدات للبنان من دون رئيس للجمهورية، وأن الجمهورية الإسلامية (إيران) وحزب الله يتحملان مسؤولية كل ما يحصل في لبنان، ومنها عدم انتخاب رئيس”. وقال بلهجة فوقية “إذا كنتم تريدون رئيسا يحقق مآربكم، فنحن لن نقبل بذلك”.
ويعاني لبنان منذ قرابة العامين فراغا في سدة الرئاسة بسبب مقاطعة حزب الله جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، تحت رواية أنه لا مشاركة إلا باتفاق مسبق على تولي ميشال عون (حليفه السياسي) رئاسة الجمهورية، وهو كلام يجانب الهدف الحقيقي، ذلك أنه ثبت بالكاشف، وفق كثيرين، أن الحزب ينتظر كلمة السر الإقليمية (الإيرانية) للسماح بالإفراج عن هذا الملف.
وهو لا يرغب فعليا في أن يصل عون الذي يملك تمثيلية مسيحية واسعة، إلى المنصب خاصة الآن بعد التقارب مع القوات.
واعتبر سياسيون مارونيون أن تصريحات يزبك خاصة تلك المتعلقة بـ”أنه لا يمكن القبول بعودة المارونية السياسية” تعكس حالة قلق وتوجس كبيرين إزاء التقارب المسيحي المسيحي الذي ترجم في إعلان النيات بين حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع والتيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون.
ويخشى الحزب الشيعي من أن يشمل هذا التقارب في قادم الأشهر، قوى مسيحية أخرى كحزب الكتائب، ولمَ لا حتى حليفه تيار المردة (وإن كان الأمر مستبعد نسبيا). وكان التيار الوطني الحر وحزب القوات قد قطعا مع عقود طويلة من العداوة بينهما بإمضاء ورقة إعلان نيات في العام الماضي، ليؤسسا بذلك لمرحلة جديدة في العلاقة بينهما الأمر الذي ما كان لأحد أن يتوقعه قبلا. وفتحت هذه الوثيقة أبواب التواصل على أعلى مستوى بين الحزبين ترجمت في مؤتمر صحافي عقده سمير جعجع وميشال عون في يناير الماضي أعلن خلاله الأول تنازله عن الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية ودعمه للأخير. ولم تقف حالة التلاقي بين القوات والتيار عند هذا المستوى لا بل إنهما أعلنا مؤخرا عن تنسيقهما في الانتخابات البلدية المرتقبة. هذا التطور المطرد في العلاقة بين القوات والتيار الوطني الحر قابله الحزب بداية ببرود، ثم بدأت تظهر في تصريحات قياداته مؤخرا مؤشرات عن تململ وقلق. ومن بين هذه التصريحات تلك التي وردت على لسان الأمين العام للحزب حسن نصرالله قبل أسبوعين تقريبا، حينما هاجم حزب القوات، معتبرا أنه يعمل على هز العلاقة بينه وبين التيار الوطني الحر، من خلال الإيحاء بعدم رغبته في انتخاب عون رئيس للبلاد. واعتبر نصرالله في حوار له مع إحدى القنوات التلفزية اللبنانية آنذاك أنه لا مجال في الفترة الحالية لأي تواصل مباشر مع القوات، رغم أنه أبدى انفتاحا على قوى سياسية أخرى وعلى رأسها تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري. ردة فعل نصرالله تجاه حزب القوات وتصريحات يزبك عززت الرأي القائل بأن الحزب رافض لهذا التقارب المسيحي المسيحي الذي قد يشكل له ضغطا في المستقبل، خاصة على مستوى هيمنته على مفاصل القرار في لبنان. وقال القيادي في حزب القوات اللبنانية ريشار قيومجيان، الاثنين، إن كلام محمد يزبك عن المارونية السياسية يعكس حقيقة موقف حزب الله من المصالحة المسيحية والتقارب العوني- القواتي الذي تقبّله ببرودة وحذر. وأضاف قيومجيان في سلسلة تغريدات عبر حسابه على تويتر “في ظل حرص الموارنة على الطائف، يأتي كلام يزبك كمن يرفض أي مطالبة بالمساواة في التمثيل وبالشراكة المسيحية الفعلية في السلطة والمؤسسات”. وأوضح أن موقف يزبك يعني رفض الحزب الضمني لانتخاب عون رئيسا للجمهورية رغم حيثيته السياسية والشعبية والتمثيلية المسيحية الأكبر بعد دعم “القوات ترشيحه”. ولفت إلى أن “موقف رئيس الهيئة الشرعية للحزب اتهامي ومفاجِئ وخارج السياق ويخفي نوايا الحزب المبيتة لتغيير صيغة الحكم الحالية عبر استثمار ما يتوهمه انتصارات عسكرية في الإقليم”. من جهته اعتبر منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد في سلسلة تغريدات له عبر “تويتر”، الاثنين أنه “إذا كانت المارونية السياسية سيئة لأنها أعطت أرجحية مسيحية فإن الإسلام السياسي أسوأ لأنه يعطي أرجحية للمسلمين والمطلوب هو العدل والتساوي”. وشدد فارس سعيد ردا على يزبك “لأَنِّي من فريق حارب المارونية السياسية آنذاك امتلك حق محاربة الإسلام السياسي اليوم وسنستمر في المطالبة بقيام دولة مدنية تؤمن حق المواطن”. وختم بالقول “صورة الإسلام السياسي الذي يمثله الشيخ محمد يزبك وغيره صورة تخلف، والمسلمون كما المسيحيون أفضل من الشخصيات التي تدعي الدفاع عن حقوقهم”.
صحيفة العرب |