المفاوضات الجارية في جنيف بين الوفد الذي يمثل المعارضة السورية مع وفد النظام في ما أطلق عليه بجنيف 3 لا تزال تبدو وكأنها حوار طرشان بين طرفين يفتقدان إلى الحد الأدنى من صلاحية إتخاذ القرار ولا يجيدان غير لغة التصعيد. فالمفاوضات جاءت على خلفية توافق بين واشنطن وموسكو للبحث في حل للأزمة السورية بعد التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية.
لكن لا يلوح في الافق ما يوحي بتوصل العاصمتين إلى حل جدي يوقف حمام الدم وآلة الدمار التي تفتك بسوريا منذ ما يقارب الخمس سنوات والتي أدت إلى مقتل ما يقارب الثلاثماية ألف مواطن وضعفهم من الجرحى وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري. والسبب على ما يبدو وهو الأرجح أنه ليس هناك بديل جاهز للنظام السوري ورئيس يمكن الوثوق به لتسليمه مقاليد الحكم.
ولكن مع ذلك يمكن اعتبار لقاء حنيف 3 اللبنة التي يمكن التأسيس عليها للوصول إلى حل للأزمة السورية مع ما يعتري ذلك من مفاوضات قد تكون شاقة ومعقدة وفيها الكثير من الملفات والنقاط الشائكة والتي تتطلب المزيد من الوقت لحلحلتها على أنه تبقى نقطة الخلاف البارزة هي مصير الأسد لدرجة ان القوى الداعمة له توازي بين مصيره او مصير الدولة السورية وترجح مصيره على مصير سوريا بشعبها ومؤسساتها ووحدتها. بمعنى أنها متمسكة برئاسته ولو أدى ذلك إلى تفتيت الدولة وتدميرها.
لا شك أن الوقائع الميدانية هي التي تحدد سير المفاوضات في اي نزاع بين دولتين. وفي الواقع السوري فإن هناك حرص دولي لتوازي الموازين بين القوى المتصارعة. وفي هذا السياق لا بد من الاشارة إلى أن الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية منعت تسليح الثورة السورية بأنظمة صواريخ مضادة للمدرعات والطائرات ما يسمح لها بحسم الحرب لمصلحتها وحتى للتخفيف من تمدد داعش وربما القضاء عليها، وذلك يأتي في اطار المناورات الأميركية لضبط نار الثورة وتكريسها خدمة لمصالحها في المنطقة وخارجها.
وهذا يقودنا إلى استنتاج واضح وهو ان تقاطع المصالح في سوريا بين النظام وحلفائه من جهة وبين القوى الدولية والإقليمية من جهة أخرى جاء لمصلحة النظام. بينما بقيت ورقة الثورة ضعيفة ولا تعني الكثير لهذه المنظومة الدولية إلا بقدر ما تحقق لها من خدمات.
فالادارة الأميركية استخدمت الورقة السورية في نزاعها مع روسيا حول المسألة الأوكرانية وكذلك تهاونت فيها خلال المفاوضات مع إيران حول الملف النووي. مما يعني أن الإدارة الأميركية لم ترى في الثورة السورية أنها حق شعب أراد التخلص من حاكم ظالم حكم البلد بذهنية الدكتاتور، بل كورقة يتقاطع التعامل معها مع مسائل أخرى على جدول المصالح الأميركية.
فالدول الأميركي كان أساسيا في تمديد عمر النظام السوري واستمرار الأزمة مع ما يعني ذلك من حروب وخراب وتهجير وقتل ومعاناة للشعب السوري وتدمير للبنية الاقتصاديه للبلد وضرب البنية الاجتماعية للمجتمع السوري برمته.
الأمر الذي جعل كل من السعودية وتركيا تنظران بقلق بالغ وشديد إلى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حيال الأزمة السورية سيما وأنهما ممنوعتان عن اي تدخل نوعي يقلب الموازين على الأرض لمصلحة المعارضة وذلك بسبب فيتو أميركي روسي مشترك، وفي المحصلة لا بد من القول أنه لا زال أمام الشعب السوري المزيد من المعاناة. وعليه الكف عن المراهنات الخارجية.
والافضل ان تبقى مسألة الحسم بيده وان طال أمد الثورة، ولا بد للثورة من مراجعة حساباتها وبناء استراتيجية جديدة تعول على الداخل السوري و تراهن على التنظيم والقدرات الداخلية وعلى الثوار الخارجين من رحم الشعب وقضيته وذلك بالاستغناء عن الوافدين من الخارج مع التعامل مع الدول العربية المخلصة والحليفة لها...