يشعر العماد ميشال عون أن لديه ما يكفي، وحتى يفيض، من الأسباب والدوافع للعودة الى «الينابيع» في الشارع، حيث يطيب لـ«السمك البرتقالي» ان يسبح كلما ضاقت به السبل والاحوال.

من التهميش الوظيفي الذي تكاثرت مظاهره مؤخرا، وفق «التيار الوطني الحر»، الى الرفض المستمر لانتخاب عون «برغم ان ترشيحه الى رئاسة الجمهورية بات يحظى بدعم الاكثرية الساحقة من المسيحيين بعد الاتفاق مع القوات اللبنانية»، مرورا بلائحة طويلة من الشكاوى المتصلة بالسياسة والتنمية... كلها اعتبارات تبرر، بالنسبة الى الرابية، استنفار القواعد الشعبية واستدعاءها من الاحتياط، لدعم خطوط الدفاع والهجوم، في مواجهة محاولات مصادرة حقوق المسيحيين، على كل المستويات.

وهناك من يقول انه لولا اضطرار عون الى مراعاة حسابات حليفه، «حزب الله»، المتوزع على جبهات الصراع مع اسرائيل والتكفيريين، ولولا رغبته في المحافظة على النواة الحالية للاستقرار اللبناني في زمن العواصف الاقليمية العاتية.. لكان قد أصبح منذ وقت طويل أكثر تحررا وأريحية في استخدام سلاح الشارع، خصوصا بعدما أقفلت امامه ابواب الخيارات الدستورية.

ويتعمد عون منذ فترة توجيه «الانذارات المتدرجة»، في إطار التمهيد لاي تصعيد محتمل، على قاعدة «أعذر من أنذر». بهذا المعنى، رفع الجنرال «بطاقة صفراء» في وجه خصومه خلال احتفال «14 آذار» حيث دعا أنصاره الى تجهيز سواعدهم، ثم ألحقها ببطاقة أخرى عبر بيان «تكتل التغيير والاصلاح» الذي أكد ان الاستعدادات بدأت على مستوى صفوف التيار لإطلاق تحركات شعبية احتجاجية في الشارع إذا استمر الخلل الحاصل في التوازن الميثاقي.

ولكن، ماذا عن المعادلة التي أطلقها في المقابل رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية خلال مقابلته الصحافية الاخيرة، حين حذر من ان نزول «التيار» و«القوات» الى الشارع من باب الضغط الرئاسي سيكسر المحرمات، وبالتالي سيكون رده عليه بالنزول الى المجلس النيابي؟

يعتبر داعمو مبادرة ترشيح فرنجية ان الالتزام الاخلاقي لرئيس «المردة» حيال «حزب الله» هو الذي جعله يمتنع حتى اليوم عن حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، برغم الاحراج الذي يسببه له الغياب كونه مرشحا اساسيا يحظى بتأييد 70 نائبا، إلا انه في حال قرر عون استخدام الشارع للضغط، فسيكون عندها هو المبادر الى تغيير قواعد اللعبة واسقاط المحرمات، «والبادئ أظلم»، مع ما يمكن ان يجره ذلك من تبعات.

ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان فرنجية كان الرافعة المسيحية لتظاهرة 8 آذار 2005 ، حيث كان حضور أنصار «المردة» فيها نوعيا ووازنا، كما يستعيدون انتخابات 2005 النيابية وما أفرزته من أرقام معبرة، إذ حصل فرنجية يومها وبقدراته الذاتية، على 65 ألف صوت في اقضية زغرتا والبترون والكورة، «وبالتالي فان اي محاولة للانتقاص من حجمه التمثيلي المسيحي، بغية انتزاع الشرعية الميثاقية منه، لا تستقيم مع معطيات الواقع، وسيكون خطأ فادحا التعامل مع فرنجية باعتباره مشروع ميشال سليمان او الياس هراوي آخر»، كما يتردد في الغرف السياسية المفتوحة نوافذها على نسائم الشمال.

وينبه مؤيدو ترشيح فرنجية الى ان استخدام عون و«القوات»، او الجنرال فقط، للشارع في هذا التوقيت ينطوي على محاذير، ذلك انه لا تفاهم معراب ولا أحد طرفيه يستطيع ان يختصر لوحده كل المسيحيين الذين توجد شريحة واسعة منهم تتوزع بين دعم انتخاب رئيس «المردة» وبين الوقوف على الحياد، ما يعني ان استعمال ورقة الشارع في ظل هذا الانقسام سيهدد بمواجهة مسيحية ـ مسيحية.

ويرى المبشرون بترشيح فرنجية ان اللجوء الى الشارع في هذا الظرف، سيشكل بالدرجة الاولى احراجا لـ«حزب الله» الذي ليست له مصلحة في المجازفة بالحد الادنى المتحقق من الاستقرار الداخلي، عبر تحرك ميداني سيتخذ شكل الاصطفاف المسيحي ضد اصطفاف اسلامي.

ويؤكد هؤلاء ان احدا لا يستطيع احتكار لعبة الحشد التي يتقنها الجميع، مشيرين الى ان فرنجية له أيضا شارعه المحتقن والمتحفز، ولعله من الافضل في ظل «توازن الشوارع» عدم الذهاب بعيدا في مغامرة الاحتكام الى الارض، خصوصا انها تغلي في هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب قدرا عاليا من المسؤولية على مستوى الخيارات والقرارات.
ويشدد المتمسكون بترشيح فرنجية على ان مشكلة عون الحقيقية ليست مع الرئيس سعد الحريري وإنما مع رئيس «المردة»، معتبرين ان الجنرال مطالب بالنظر الى فرنجية كصاحب حيثية مسيحية وشرعية ميثاقية، وليس كمرشح الحريري او كعضو في «تكتل الغيير والاصلاح».

ويوضح المنخرطون في معركة الدفاع عن «الحق الرئاسي» لفرنجية ان تأكيده المتكرر بانه لن ينسحب حتى لا يلغي نفسه، هو موقف ينبع من قناعته بان انسحابه سيؤدي الى فقدان مصداقيته لدى الاطراف الخارجية والداخلية التي دعمت ترشيحه، وكذلك الى صعود تحالف التيار ـ القوات في الساحة المسيحية، الامر الذي من شأنه ان يتسبب في عزل فرنجية طوعا، وهذا ما ليس واردا ان يفعله.