على رغم كلّ السيناريوهات التي سبَقت الجلسة الـ 37 لانتخاب رئيس الجمهورية والتي تحدّثت عن احتمال ملامسة النصاب، فقد تراجَع عدد النواب من 72 إلى 62 ، وهو ما طرَح أسئلة عدة. ويَعتبر أحد هذه السيناريوهات أنّ مقاطعة البعض جاءت خشية توفير النصاب وانتخاب الرئيس في لحظة خادعة. فهل صحيح أنّ هناك من تخيّل ذلك؟ليس مستغرباً أن تُنسَج سيناريوهات عدة حول ما كان متوقّعاً في جلسة الأربعاء الماضي، فالتطوّرات التي رافقَتها، ولا سيّما أحداث بروكسيل أرجَأت التداول بها إلى حين. لكنّ ذلك لا يَحول دون العودة إليها بعدما تقدّمَ أحد السيناريوهات لساعات عديدة سبَقت الجلسة، وقد تحدّث عن محاولة للنفاذ بالاستحقاق الرئاسي بقطبةٍ مخفيّة رافقَت الترويج لتوقّعات بأنّها قد تكون الجلسة الحاسمة إذا ما اقتربَ الحضور النيابي من الرقم الذي لم يعُد ينقصه سوى رباعية كتلة «لبنان الحر الموحّد» لإكمال النصاب وانتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية.

في الجلسة السادسة والثلاثين التي عُقدت في 2 آذار، سجّل الحضور النيابي رقماً قياسياً لم تَشهده أيّ جلسة سَبقتها، فقد حضَر 72 نائباً وكان مقدّراً أن يرتفع العدد إلى 78 أو 79 نائباً لو كان هناك قرار جدّي بإقامة عرض قوّة من مجموعة الكتل النيابية التي تواظب على المشاركة في جلسات الانتخاب، بالإضافة إلى مجموعة من النواب المنفردين والمستقلين الذين لن يفرّطوا بحضورهم إنْ كانت أسماؤهم ستُدرج على لائحة «الناخبين الملوك» لسَدّ الشغور في قصر بعبدا واختصار مسيرة الآلام الرئاسية وقيل يومها إنه لا بدّ من فتح عهدٍ رئاسي جديد ليتنفّس اللبنانيون ومعهم مؤسّساتهم الدستورية الصعداء.

على هذه الخلفيات، تراجَع عددُ النواب المشاركين في الجلسة. وإلى المتغيّبين الدائمين، سُجّل غياب نواب لم يغيبوا يوماً، وتشهَد القاعة الصحافية حضورَهم الدائم وخصوصاً عندما يتزامن الإعلان عن تأجيل كلّ جلسة مع إطلالاتهم التي شكّلت محطة مكرّرة في الشكل والمضمون، وكأنّها واجب لا بدّ منه ليتباروا في إسداء النصح بالحاجة إلى توفير النصاب الدستوري على أنّه واجب الوجوب ولا يَخضع لأيّ نقاش توصّلاً إلى انتخاب الرئيس.

ومِن هذه الزاوية بالذات يتداول بعض النواب السيناريو الأكثر قرباً إلى المتوقع، مبنياً على ما بَلغه سوء النية لدى البعض بنوايا رفاقه، ومقروناً بالكثير من فقدان الثقة الذي ينمو سريعاً بين الكتل النيابية ولا سيّما الحلفاء منهم.

فلم يَعد كثُر يفاجَؤون بأيّ مقلب يمكن أن يُطبَخ في ليلة سوداء، فيُمرّر الاستحقاق في لحظة من اللحظات نتيجة غضّ نظر «الخصوم»، وهو مدروس بدقّة وعناية وقد شَعر به بعض النوّاب في قراءتهم للغياب اللافت لنِصف أعضاء كتلة «القوات اللبنانية» الذين وللمرّة الأولى يتغيّب أربعة منهم عن ساحة النجمة، وإنْ قصَدها أحدهم فقد بقيَ بعيداً عن القاعة العامة حتى إرجاء الجلسة. هذا بالإضافة إلى تردّد آخرين من النواب المستقلين عن الحضور.

ويستشفّ سوء النية في هذا التفسير من خلال تجاهل غياب عدد من الوزراء - النواب فيما بقيَت الألغاز تُحيط بحضور الرئيس سعد الحريري الذي عاد صباح الجلسة ولم يصطحِب معه النائب عقاب صقر. لكنّ أحدَهم بقيَ يحذّر من لحظة غادرة حتى الدقائق القريبة من موعد الجلسة ولم يطمئن إلى عدم وجود أيّ فخّ منصوب إلّا عند التأجيل، فثبتَ لديه بالوجه الشرعي أنّ السيناريو وهميّ ولا وجود له إلّا في مخيّلة البعض.

ويَعتقد العارفون أنّ استمرار تغيّب «حزب الله» عن الجلسة يُطمئن أصدقاءَه والحلفاء ويُنبّه خصومَه من أيّ محاولات لتوفير النصاب في أيّ لحظة محظورة قد تقود إلى ما يشبه «7 أيار» القديمة. ولذلك فهُم يَرفضون احتمالَ أن يتورّط الحزب في «مقلب» من هذا النوع، فبقيَ السيناريو الذي يتحدث عن إنهاء الشغور بَعيد المنال ومؤجّل إلى أجل غير مسمّى.