زار وفد أمني أميركي منطقة الشمال أخيراً بمواكبة من استخبارات الجيش. وعلمت «الأخبار» أنّ دافع الزيارة وجود تخوّف أمني من معركة مستقبلية في هذه المنطقة بالتحديد. ورغم الخسائر المتلاحقة التي مُني بها، تُجمع المصادر على أنّ عين تنظيم «الدولة الإسلامية» على لبنان.

ومردّ التخوّف وجود معطيات عن قرار لدى التنظيم باستعادة سيناريو تحريك خلاياه في الشمال، على خلفية مطامع لديه بالسيطرة على قرى في المنطقة للحصول على منفذ بحري. رغبةٌ لا يختلف اثنان بشأنها، لكن هل يملك التنظيم القدرة العسكرية لتنفيذها أو حتى البدء فيها؟ وهل يجبره مسار ميدان المعارك على إعادة حساباته؟ تساؤلات أجابت عنها مصادر أمنية وديبلوماسية متابعة لحركة التنظيمات الأصولية على الساحة اللبنانية.
خسر تنظيم «الدولة الإسلامية» مدينة تدمر، فبدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً حُلُم تمدّد خلافته إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط من خلال الأراضي اللبنانية. مخطّط خطِّ الإمداد بين الرقة، بوصفها «عاصمة دولة الخلافة»، والشمال اللبناني باعتباره المنفذ البحري الأوحد للتنظيم أُفشل، لكنّ ذلك لن ينسف مشروعه من جذوره في هذه المنطقة. ورغم الهدوء السائد حالياً في القرى الشمالية، مقارنة بجبهة عرسال المفتوحة، تتخوّف أجهزة أمنية غربية ولبنانية من معركة مرتقبة في عكّار. تستدل هذه الأجهزة بمعطيات باتت في حوزتها، إذ لا يكاد يمرّ يوم في قرى الشمال من دون أن تعتقل الأجهزة الأمنية أفراداً مرتبطين بتنظيم «الدولة». وهؤلاء الأفراد متى اجتمعوا، فإنّهم حكماً يؤلّفون خلايا نائمة قادرة على التحرّك في أي لحظة. وقد رُبطت استجوابات الموقوفين بمعطيات متوافرة لدى أجهزة أمنية غربية، وخلُص المتابعون إلى أنّ قرار إعادة إحياء المخطط المرسوم اتُّخذ. يعزز هذه المخاوف الإصدار الرسمي الأول لـ«الدولة الإسلامية» الذي حمل عنوان: «يا أحفاد الصحابة في لبنان»، ولا سيما أنّ المتحدّثين اللذين خرجا مكشوفي الوجه فيه، هما لبنانيان من منطقة الشمال.


رفض أبو مالك التلّي عرض فتح ممر آمن باتجاه إدلب، لكن المصادر تكشف أنّه سيُرغم على القبول

 

ولهذا الأمر دلالة خاصة لدى أكثر التنظيمات تشدداً في العالم. إذ بحسب المصادر الأمنية المتابعة لملفات السلفيين الجهاديين، فإنّ قيادة التنظيم تريد إيصال رسالة إلى أبناء هذه المناطق على وجه التحديد قبل غيرهم.
وتكشف مصادر ديبلوماسية عن سيناريو مرتقب خلال الأسابيع المقبلة. وتتوقع احتدام المعارك في عرسال بين «جبهة النصرة» و«الدولة» في الأيام المقبلة. وتتحدث عن مساعٍ بذلها «وسطاء» مع النظام السوري لحثّه على فتح ممر آمن لمقاتلي «النصرة» نحو إدلب. لكنّ مصادر مقرّبة من أمير «النصرة» في القلمون «أبو مالك التلّي» تكشف أن الآخر رفض هذا الطرح الذي عُرِض عليه. لكن المصادر ترجح أنّه سيقبل مرغماً لأن عديد مسلحي «الدولة» أكثر من ضعفي عديد مسلحيه، وبالتالي، فإنّ الكفة ترجح لمصلحة جنود البغدادي.
وبحسب المصادر، فإنّ الغاية من ذلك إبعاد خطر «النصرة» عن القرى اللبنانية الممتدة على طول الحدود البقاعية التي ينتشر فيها مسلّحوها (علماً أنّ عديدهم لا يتجاوز ٣٠٠ مسلّح في أحسن الأحوال، بحسب التقديرات الأمنية). الخطر رغم حصره، يبقى قائماً متى قرر أمير «النصرة» التحرّك. ورغم عودة الحديث خلال الأسابيع الماضية عن استعدادات لدى حزب الله لخوض «معركة الربيع» لإنهاء وجود مسلّحي «النصرة» المتحصنين في الجرود، إلا أنّ المصادر تكشف أنّ الحزب عَدَلَ عن قراره خوضها أو على الأقل ارتأى تأجيلها، فلماذا يستنزف نفسه بمعركة نتائجها تحصيلٌ حاصل، ما دامت حمأة المواجهة تشتد بين العدوّين اللدودين «الدولة» و«النصرة» في الجرود. وخير شاهد على ذلك، الهجمات المتكررة التي يشنّها مسلّحو «الدولة» على مقاتلي «النصرة» في الجرود، وآخرها معركة أمس في جرود عرسال وفي المنطقة المحاذية لقرى رأس بعلبك، فظهروا كمن ينتقم في الجرود من هزيمة تدمر. وقد تحدثت المعلومات عن نية تنظيم «الدولة» اقتحام منطقة الملاهي والعجرم ومخيمات النازحين في جرود عرسال، المنطقة الفاصلة بين مواقع الجيش اللبناني وحصن «النصرة»، علماً بأن المراقب لمعركة الجرود، يلحظ في الآونة الأخيرة تراجع الاحتكاك بين الجيش اللبناني ومسلحي «النصرة» آنياً، مقارنة بعمليات الاستهداف القائمة ضد مسلّحي «الدولة».
هكذا تخلو الساحة لتنظيم «الدولة» الذي كان يتحضّر لتنفيذ هجمات موازية على قرى سورية يُسيطر عليها الجيش السوري، بعد انتهاء حربه ضد «النصرة»، وفي الوقت نفسه سيُحرّك خلاياه في لبنان.
لكن ألم تُخرّب هزيمة «الدولة» في تدمر السيناريو المفترض؟ تردّ المصادر بأنّه في كلتا الحالتين، كان الجيش السوري سيشنّ، بمؤازرة من حزب الله، هجوماً على مسلّحي «الدولة» لحشرهم ودفعهم إلى الانكفاء رويداً رويداً. وأنّه بعد هزيمة تدمر، أصبحت المهمة أكثر سهولة. ورغم أن استعادة تدمر أفشلت مشروع ربط الرقة بلبنان، فإنّ المصادر نفسها «لا تستبعد التفجيرات الأمنية المتنقلة لتحقيق انتصارات، ولو إعلامية، إذ يكفي تنظيم الدولة أن يقول: ما زلنا هنا ونستطيع».