ومنعًا للمتفزلكين من عشاق الطائفة الحريصين على الأمن الشيعي واستقرار المناطق الشيعية ووحدة الصف وكل ما يمكن أن يسوقونه من شعارات رنّانة بهذا السياق، من الجناحين ووصولاً إلى شفرتي ذو الفقار وحتى قدسية الدم الشيعي المقاوم الذي هزم العدو الصهيوني الغاشم وإلى ما هنالك من يافطات قد ترفع في وجه من يفكر ولو مجرد تفكير بمقاربة هذا "التحالف" المبارك وما سوف يرمى بوجهه من التهم الجاهزة سلفًا بالعمل على الفتنة الشيعية (والعياذ بالله) أو شقّ عصا الطائفة، كان لا بدّ وقبل الغوص فيما نريد أن نشير إليه من تأكيدنا المبرم والنهائي والواضح أنّنا مع ونؤيد وندعم كل ما يساهم بالحفاظ على استقرار البلد وحفظ الأمن فيه، ومنه التحالف السياسي بين حركة أمل وحزب الله...
ولكن قد يكون من المبرر أو فلنقل من المستحب (بغضّ النظر عن تحفظاتنا) التمسك بتحالف هذا الثنائي في وجه القوى السياسية الأخرى، وفي خضم الصراع السياسي العام القائم بالأساس على لحاظ المصالح الطائفية في ظلّ نظام مبني بالدرجة الأولى على المحاصصة وتوزيع غنائم الدولة فيما بين الطوائف، ولا ننكر هنا أنّ تحالف أمل حزب الله قد جعل من الشيعية السياسية هي القوة الأكبر مقابل تشظّي باقي الطوائف "والحمد لله".
إلاّ أنّ هذا كله لا يمنع القول أنّ لهذا التحالف وجه آخر وانعاكاسات سلبية جدًا بالخصوص إذا ما ترسخ وكان في غير موضعه واستعمل ليس لتحقيق مصالح الطائفة وإنّما تحوّل لقضاء وقدر داخل الطائفة نفسها، ممّا يحوّل الطائفة إلى طائفة مشلولة وميتة لا حراك فيها ولا تنافس بين أبنائها وبالتالي لا وجود لا للإبداع ولا للتطور فضلًا عن الركود الذي لا ينتج إلاّ النتانة والعفن وهذا تمامًا ما هو الحال عليه في مناطق نفوذ هذا الثنائي.
ففي الوقت الذي تفور فيه الناس على امتداد الجغرافيا اللبنانية مع اقتراب استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية بعد أن أكد على حصولها وزير الداخلية، نجد أنّ لا أثر يُذكر لهذا الاستحقاق في القرى والمدن الشيعية، ليس بسبب التشكيك في جدية حصول الإنتخابات فقط، بل لما ترافق مع الإعلان عن إرادة حصول الإنتخابات من أخبار اللقاءات والتنسيق بين هذا الثنائي بخصوص تقاسم البلديات والمخاتير فيما بينهما ممّا يفقد هذا الاستحقاق أيّ معنى حقيقي ويحوله إلى مجرد محطة محسومة النتائج سلفًا.
إن خنق اللعبة الديمقراطية داخل الطائفة الشيعية ولو على مستوى البلديات والمخاتير وعدم ترك الحرية للناس بإنتاج سلطاتها المحلية المعنية بالشأن الإنمائي والخدماتي تحت مبرر الخوف والرعب من خلق مشاكل واضطرابات في القرى والمدن إنّما هو دليل ساطع على هشاشة واهتراء هذا التحالف وإقرار من القيمين عليه بأنّه تحالف فوقي مسقط جبرًا على القواعد الحزبية وليس له أيّ أثر توحيدي أو وعيوي رغم مرور سنوات طويلة على إبرامه، ويحمل هذه الإدعاء بالخوف من المشاكل والفتن الداخلية إهانة عظيمة لأبناء الطائفة وأوّلهم الحزبيين منهم لأنّهم بنظر المعنيين هم أصغر وأغبى وأجهل من أن يترك لهم مجال الإختيار ولو على هذا المستوى المحلي.
إن فرض هكذا تحالف وإجبار الناس على السير وفق مضامينه ومنعهم من أبسط حقوق التعبير والدخول في مساحة من الخيارات لا يمكن أن يفسر إلاّ خشية من هذه القيادات على ادعاءاتهم التمثيلية وإمساكهم بقرار الطائفة وتموضعها في مرحلة حساسة من تاريخها، ولا يعكس هذا التحالف إلاّ خوف كبير بالخصوص من طرف حزب الله هذه المرة بأن تعكس انتخابات البلدية في القرى والمدن الشيعية صدى للهمسات التي تجري وتخاض في الصالونات ووراء الجدر.
إذا كان التحالف السياسي للثنائية الشيعية مقابل القوى الأخرى هو تحالف اقوياء، فإنّ مثل هذا التحالف باستحقاق بلدي واختياري وهو حتمًا تحالف لا يمكن فهمه إلاّ مقابل العائلات الشيعية والأصوات المستقلة الشيعية والشخصيات الحرة والجمعيات المدنية والطاقات المتفلتة، وبالتالي لا يمكن توصيفه إلاّ تحالف الجبناء.