عادت نغمة التوطين تتداول على ألسنة قيادات التيار البرتقالي من جديد وكان آخرها ما صرح عنه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل محذرا من مؤامرة دولية يشترك فيها بعض الأطراف الدولية لتوطين اللاجئين السوريين ومنعهم من العودة إلى ديارهم. وترافق هذا التصعيد الكلامي مع زيارة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون إلى لبنان والذي لم يستقبله باسيل بل أوفد ممثلا عنه بحجة " وفاة في عائلته" ولكن التصريحات التي صدرت أكدت أن الموضوع ذات بعد أكبر بعد أن أكد باسيل أن زيارة بان رافقها أخطاء.
ولعل غضب جبران يعود إلى رفض بان زيارته شخصيا وذهاب الأخير لزيارة مخيمات اللجوء الفلسطينية والسورية وهذه المخيمات تلقى معارضة واسعة من فريق باسيل السياسي الذي يرى فيها مخططا لتوطين الفلسطينيين والسوريين وبسبب هذه المعارضة البرتقالية عانى السوريون في لبنان من أزمة إنسانية خانقة خصوصا أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن تأمين إحتياجات النازحين لأسباب تعود إلى الموقف العوني وأخرى تتعلق بالشق المالي والتمويلي.
فلبنان شهد بعد الأزمة السورية نزوح ما يعادل المليون والنصف السوري توزعوا على كافة الأراضي اللبنانية على عكس ما حصل مع الذين نزحوا إلى الأردن وتركيا حيث تم إستيعابهم في مخيمات خاصة.
وعلى الرغم من تواجد هذه المخيمات في تلك البلدان لم يظهر أي بوادر جدية لمحاولات توطين واسعة للسوريين في تركيا أو الأردن والتقارير التلفزيونية والصحافية التي أجريت مع النازحين أظهرت نيتهم بالعودة لديارهم بعد إنتهاء الحرب. حتى في لبنان كان مستهجنا الموقف العوني من قضية النازحين السوريين وهو موقف بالتأكيد ليس له علاقة بقضية التوطين بل لإعتبارات تخص سياسات النظام السوري ورؤيته المستقبلية للأزمة.
فالحكومة اللبنانية الحالية وجميع الأطراف اللبنانيين وحتى مفاوضات جنيف والقرارات الدولية ذات العلاقة بالشأن السوري كلها أكدت على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وتأمين المسكن ومتطلبات الحياة الضرورية لهم، وتركيا هددت بإجتياح الشمال السوري لتأمين منطقة آمنة وعازلة تستوعب النازحين السوريين.
فالمؤشرات الإقليمية والدولية وحتى الداخلية اللبنانية كلها تصب بإتجاه رفض كلي لتوطين السوريين في لبنان والتجربة السابقة لتوطين الفلسطينيين فشلت لأن لا أرضية صالحة لهكذا مشروع في لبنان يهدد الديمغرافيا فيه.
فنغمة التوطين ما هي إلا شماعة يهول بها وزير الخارجية اللبناني ليخف حجم المأزق الذي يعيشه فريقه السياسي الذي فشل إلى الآن في إيصال الجنرال ميشال عون لسدة الرئاسة الأولى وهذا ما ظهر جليا بالموقف الغير المناسب الذي تعامل به باسيل مع زيارة بان كي مون كنكاية من المجتمع الدولي الرافض لميشال عون وهو تصرف لا يمت للسياسة الخارجية بصلة لأن الوزارة هي جهاز وآلية تضع مصلحة لبنان الخارجية كأولوية لا مصلحة تيار سياسي على حساب الآخر ولا تتعامل بمبدأ النكايات كما جرى عندما تم سحب طلب ترشيح غسان سلامة كمدير تنفيذي لمنظمة اليونسكو وإستبداله بفيرا الخوري.
من هنا جاء رد البطريرك الراعي مصوبا الأمور كعادته وبلغة بعيدة عن العنتريات والشعبويات داعيا لإنتخاب رئيس للجمهورية لأنه هو من يمنع التوطين. نصيحة الراعي بجمل والخارجية اليوم بحاجة لراع جديد لأن الأمور تبشر بالأسوأ.