افتُتح الأسبوع العربيّ الذي انقضى بحدث مصريّ (آخر) لامع وباهر: فقد شُطب اسم محمّد البرادعي من الكتب المدرسيّة التي تذكره بوصفه أحد المصريّين الأربعة الذين نالوا جائزة نوبل (الثلاثة الآخرون: نجيب محفوظ،حمد زويل، أنور السادات).
أمّا السبب فأنّ البرادعي معارض للنظام القائم، وقد بدأت معارضته لعبد الفتّاح السيسي منذ مقتلة رابعة الشهيرة، فاستقال من منصبه كنائب رئيس جمهوريّة للعلاقات الخارجيّة.
كذلك اختُتم الأسبوع بحدث أردنيّ لا يقلّ لمعاناً وإبهاراً. ولا بأس بنقل الخبر حرفيّاً عن صحيفة "القدس العربيّ" اللندنيّة:
"يُظهر شريط فيديو متداول بكثافة في الأردن بوضوح كيف يستخدم وزير الخارجيّة الأردنيّ ناصر جودة مهاراته الجسديّة بدبلوماسيّة ناعمة وهو يفلت من "عناق" على الهواء المباشر كان سيجلب له المزيد من الصداع ووجع الرأس السياسيّ مع مسؤولة الملف الخارجيّ في الاتّحاد الأوروبيّ فيديريكا موغيريني.
في الأحوال العاديّة يتعانق أفراد النخبة السياسيّة الأردنيّة بعيداً عن الأضواء، لكنّ الوزير المخضرم ناصر جودة لديه خبرة سابقة في طبيعة الكاميرات الوطنيّة "الغيّورة" التي تترصّد به وبضيفته، ما دفعه للتخلّص بدبلوماسيّة واضحة من موغريني التي حاولت معانقته فور سماعها نبأ تفجيرات بروكسل.
تصادف أنّ موغيريني كانت في زيارة رسميّة للأردن وتعقد مؤتمرا صحافيّاً مع الوزير جودة صباح الثلاثاء في عمّان، وبمجرد وصول نبأ تفجيرات بروكسل انهارت الوزيرة الأوروبيّة باكية وامتلأت عيناها بالدموع وتهدّج صوتها ومالت بتلقائيّة وعلى الطريقة الغربيّة نحو مضيفها الوزير جودة وهي تبحث عن عناق عاطفيّ سريع.
تنبّه جودة للمطبّ المعدّ بعناية في لحظة مواتية فرفض ترتيب العناق مع موغيريني بدون إشعارها وأمسك بكتفها وأزاحها أمام عشرات الصحافيّين، واستبدل مطبّ العناق المفترض بإظهار التأثّر الشديد وتحريك يديه على كتفي المسؤولة الأوروبيّة التي بدت في غاية التأثّر".
إذاً، كان تأثّر موغيريني وبحثها عن التعاطف الإنسانيّ من الشخص الواقف إلى جانبها، أي الأقرب إليها في تلك اللحظة، "مطبّاً" أفلت منه الوزير الشاطر.
في الحالة المصريّة، تمارس السلطة مباشرة دور حجب الواقع وتزويره. في الحالة الأردنيّة، يستجيب أحد رموز السلطة لمطالبة المجتمع بحجب الواقع وتزويره بحيث يبقى عناق امرأة ورجل في لحظة مؤثّرة "بعيداً عن الأضواء".
بين الحالتين يتبدّى حجم الكذب الذي يرزح العالم العربيّ والحياة العربيّة تحته، واتّساع الفصام الناتج إمّا عن قسر الواقع وتلفيقه (مصر) وإمّا عن التحايل عليه (الأردن).
لكنْ بين حدثي القاهرة وعمّان، كانت تستجدّ أحداث أخرى، من تفجيرات بروكسل نفسها إلى نجاح بشّار الأسد وقوّاته وحلفائه في استعادة تدمر، حيث السجن الشهير، والتي لم يكن بديله فيها سوى "داعش". فهل هذه الأحداث الأخيرة، وهي ذات دويّ أكبر بلا قياس، عديمة الصلة بالكذب والتزوير والفصام ممّا يُظهره الحدثان المصريّ والأردنيّ؟
المصدر: ناو