كنت كتبت مقالة سابقة عنوانها ( في خارجيتنا.. نذل) ذلك على إثر حادثة كارولينا الشهيرة يومها، والطريقة النذلة التي يحاول وزير الخارجية أن يدير فيها وزارته، وها أنا اليوم أجدني مضطرًا للكتابة مرة أخرى عن نفس الوزير ولكن هذه المرة من زاوية أخرى.

فبعد مواقف رئيس الدبلوماسية اللبنانية (للأسف) وتفرده بين وزراء الخارجية العرب بعدم التوقيع على بيان إدانة الهجوم على سفارة السعودية بطهران وما استجلب بموقفه هذا من أضرار جسيمة على لبنان واللبنانيين لا نزال نتخبط في تردداتها وندفع أثمان باهظة بسببه إلى اللحظة.

ومن أواخر إبداعات هذا الوزير الألمعي هو غيابه عن الحضور في استقبال أمين عام الأمم المتحدة وتسجيله اعتراض على حضور هذا الضيف الرفيع، بأسلوب هو أقرب إلى الأسلوب الولادي منه إلى طريقة تعاطي محترف وعارف بأساليب التعاطي بالعلاقات الدولية.ومن دون الحاجة إلى الرجوع والسؤال عن حقيقة الخلفية التي تقف وراء هذا الموقف الأرعن، فإنّ الأكيد بالموضوع أنّ الأمر يتعلق بأحد أمرين إمّا لأسباب شخصية محضة كأن يكون وزير خارجيتنا لم يوفق بمقابلة الامين العام بان كي مون في زيارته الأخيرة التي قام بها إلى الأمم المتحدة كما يرجح عارفون، وإمّا أن يكون خلف هذا الموقف رسالة إيرانية معينة أراد الإيرانيون إيصالها إلى المجتمع الدولي لا يعرف باسيل نفسه محتواها في هذا التوقيت.

وعلى كلا التقديرين فإنّ موقف جبران باسيل لا يمت إلى لبنان والمصالح اللبنانية بأيّ صلة، ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل ما زاد الطين بلّة هي التبريرات التي سيقت في هذا الإطار، إن بإعتبار الأمين العام مجرد موظف وبالتالي فوزيرنا الموقر هو أكبر حجمًا وأعظم شأنًا من أن يضيع وقته الثمين ويعطلّ أشغاله العظيمة من أجله، هذا بدون لحاظ أنّ وزيرنا السوبر يحمل مسؤولية إضافية الى كونه وزير خارجية فهو رئيس ( تزكية ) حزب مشغول بتشكيلاته الديمقراطية وبرامجه الاصلاحية وخطته التغييرية، خاصة إذا ما اخذنا بعين الاعتبار أنّ الاستحقاق الرئاسي وترشيح العم المُفدى لم يصل إلى خواتيمه السعيدة بعد ليتفضى بعد ذلك إلى الاهتمامات الأخرى!

وإن كان كل ما تقدم هو في دفّة فإنّ في الدفة الثانية ما هو أدهى وأمرّ، من خلال ما نسمعه مؤخرًا من نغمة جديدة هي أقرب ما يكون إلى نشاذ سياسي أو عهر إعلامي عبر تسويق ما يحكى عن توطين اللاجئين السوريين في لبنان! لا شكّ أنّ العقل الذي أبدع هذه السخافة هو عقل مريض ويتمتع بكمّ هائل من الحماقة، ولا يهدف إلاّ إلى إختلاق مخاوف ومشكلات لا وجود لها، ولا إمكانية، ويعتمد بشكل أساسي لتسويق هذه الأكذوبة السخيفة على التشابه اللفظي بين التوطين الفلسطيني الوارد بشدّة منذ عقود، والتوطين السوري غير المبرر لا من قريب ولا من بعيد.

ببساطة نقول لمن يقف خلف هذه البدعة الغريبة: إنّ شعبا دفع ما دفع وضحى بما ضحى من أجل حرية سوريا وعزة سوريا ومن أجل إسقاط طاغية سوريا كي يعيش كرامته، إنّ شعبا بهذه العظمى لا يمكن ان يستبدل ما هو أدنى بما هو خير، ولا نراه يبقى لحظة واحدة ليس في لبنان ونفاياته وأزماته بل في أيّ بقعة من بقاع الأرض.

وكأنّه لا يكفي لبنان ما يعانيه من أزمات بالأمن والصحة والإنترنت والسرقات والكهرباء والمياه وتعطيل مؤسساته واستحقاقاته الدستورية وفساد طبقته السياسية، ليضيف عليها وزير خارجيتنا المصون جبران باسيل أزمة الحماقة الدبلوماسية .