يترقب الرئيس السوري بشار الأسد بحذر نتائج الاجتماعات المتلاحقة في موسكو بين روسيا والولايات المتحدة وقادة عرب قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة في سوريا التي مازال نظامها متمسكا بالقتال السياسي والعسكري إلى آخر لحظة أملا في الحفاظ على سلطته.
وتجد روسيا خصوصا نفسها مرة أخرى وجها لوجه أمام التزاماتها بالضغط على الأسد للخضوع إلى توافقات القوتين العظميين بعدما ضغطت على النظام بسحب جزء كبير من قواتها في سوريا. لكن يبدو أن الحلقة المقربة من الأسد تصر على المقاومة.
ويقول صحافيون ومراقبون التقوا شخصيات نافذة في دمشق رغم أنه لم يكن أمام الأسد سوى الاعتماد على الدعم السياسي والعسكري والمالي لروسيا خلال الستة أشهر الماضية، فإن هذا الدعم تسبب في ارتفاع منسوب الثقة والطموح داخل أروقة النظام الذي حقق مكاسب عسكرية غير مسبوقة على الأرض.
وكان آخر هذه المكاسب تقدم الجيش السوري كي يسيطر على القلعة المشرفة على المنطقة الأثرية لمدينة تدمر بعد أكثر من أسبوعين على بدء معركة استعادتها.
ويقول ديفيد ليش الذي شارك في كتابة مذكرات الأسد، ويعمل الآن أستاذا في جامعة ترينيتي في سان أنطونيو إنه “من الواضح أن بوتين يعتقد أن سوريا تحتاج روسيا أكثر من احتياج روسيا لها”.
وأضاف “لكن الأسد والدائرة المقربة منه يسيطر عليهما غرور يدفعهما إلى الاعتقاد بأن روسيا هي التي تحتاج سوريا بشكل أكبر”.
ووصف كثيرون ممن قابلوا مسؤولين كبارا في الحكومة السورية المزاج العام في دمشق بـ”المبتهج”. وقالت محامية لبنانية تعرف رجل المخابرات القوي علي مملوك عن قرب إن “الأسد ليس مقتنعا بأنه تخطى مرحلة الخطر فحسب، بل يعتقد أن نجاحه في تحدي العالم سيصنع منه أكثر من أي وقت مضى زعيما إقليميا”.
ويقلق هذا الشعور الوهمي الذي ينعكس على تصرفات النظام السوري واشنطن. ووضع وزير الخارجية الأميركي جون كيري موسكو خلال لقائه بوتين الخميس الماضي أمام لحظة الحقيقة.
وقال بلهجة دبلوماسية لم يغب عنها اللوم “سيتعين على روسيا أن تتحدث بنفسها في ما يتعلق بما ستختار فعله من أجل مساعدة الأسد على اتخاذ القرارات الصحيحة”.
لكن وكالة انترفاكس الروسية نقلت عن نائب وزير الخارجية الروسي قوله إن واشنطن “تفهمت موقف موسكو بأن مستقبل الأسد يجب ألا يبحث في الوقت الراهن”.
وبالتزامن مع كل هذه الجهود لـ”دفع العملية السياسية قدما” يبدو الأسد مستعدا للمراوغة أكثر من أي وقت مضى.
ويصر المسؤولون السوريون على أن روسيا مازالت تقف بقوة إلى جانبهم. لكن في الوقت نفسه يعولون على ورقة ضمان حليفهم الأقرب إيران.
ويراهن النظام السوري على مجاراة الحليفين المهمين معا. وتقوم سياسته على اختبار صبر الحلفاء طوال الوقت.
ويقول دبلوماسيون إن “نظام الأسد اشتبك مع الإيرانيين بشأن الدعم المالي، ومع حزب الله بشأن ساحة القتال، ومع الروس بشأن الأداء العسكري”.
ويصف الدبلوماسيون النظام السوري بـ”المحترف في ملاعبة الحلفاء”، ويقولون إنه إذا شعر بأنه بات مجبرا على تقديم تنازلات، فإنه يلجأ في الغالب إلى التأخير والتهرب وتعقيد الموقف كوسيلة لكسب الوقت إلى حين تحسن موقفه.
وكان سلوك الأسد المراوغ أحد العوامل التي أثرت على مصداقية الولايات المتحدة في نظر حلفائها التقليديين في المنطقة.
كما ساهم الحسم الروسي المقابل في سعي دول خليجية وعربية محورية لتعديل أولوياتها التي كانت تعول في السابق على رؤية واشنطن الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
ويقول كثيرون في الغرب إن “عودة المنتصر” إلى الساحة الدولية التي حققها بوتين عبر تزعم العملية السياسية مع الولايات المتحدة في سوريا كان حلا توافقيا مع الغرب الذي ينتظر أن يرى استعداد الرئيس الروسي للموافقة على التضحية بالأسد لاحقا، أو تقويض سلطاته إلى الحد الأدنى.
وقال ليش لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن “الأسد أدرك أن قوات الحرس الثوري وميليشيات حزب الله التي تدعمها إيران غير كافية لإبقائه في السلطة، لذلك يجد نفسه مجبرا على الانخراط في نوع من المقاربة السياسية على الأقل لإرضاء بوتين”.
ويتعلق الأسد بقشة أخرى تتمثل في اعتقاده بأن الغرب بات في أشد الحاجة إليه من أجل السيطرة على حدود سوريا وقتال تنظيم داعش، ووقف تدفق اللاجئين.
ويخشى مسؤولون في الكرملين من أن قرار الدعم العسكري للنظام السوري كان “سلاحا ذا حدين” قد يستخدمه الأسد “المنفلت” للانقلاب على التزاماته تجاه الروس.
ويتوجس قادة في الشرق الأوسط من حدوث ذلك. وكانت اجتماعات الخميس في موسكو استكشافا لمدى استعداد موسكو لممارسة ضغوط على الأسد لاستكمال مفاوضات جنيف التي لم تأت جولتها الأولى بأي ثمار تذكر.
صحيفة العرب