إذا كانت قصّة الحمل تشكّل تحدّياً بالنسبة لكِ ولشريكك، فأنتِ لست وحيدة. والعقم هو مرض يعاني منه 10 إلى 20 في المئة من الازواج حول العالم، ويتمثّل بعدم القدرة على تكوين جنين على رغم ممارسة الجنس المتكرّر لمدّة عام على الأقل. ويعود سبب العقم إلى مشكلة عند المرأة أو شريكها، أو إلى مجموعة من العوامل التي تحول دون تحقّق الحمل أو استمراره. ولكن لحسن حظّ الأزواج الراغبين في إنجاب أطفال وتكوين عائلات، هناك عدد من العلاجات الآمنة والفعّالة التي تسمح بالتغلّب على العقم، وهذه العلاجات تعزّز فرص تكوين الأجنة في رحم الأمهات بشكل كبير جداً.
يفيدنا الأخصائي في الأمراض النسائية والتوليد، وجراحة المنظار والجراحة الروبوتية في "مركز كليمنصو الطبي"، الدكتور كريم نوفل، بتفاصيل أسباب وعلاج هذه المشكلة، قائلاً: "العقم هو استمرار الحياة الزوجية لمدة سنة على الاقل أي 12 شهراً من المحاولة دون التمكّن من الإنجاب".
ويُعتَبَر العقم من المشكلات الواسعة الإنتشار في العالم وهي حقيقة تُواجه الزوجين حيث تكون الأسباب من أحد الزوجين أو كلاهما.
ويشرح أنه "لا تقتصر مشكلة العقم على النساء فقط، فـ40 في المئة هي نسبة العقم عند النساء، و30 في المئة عند الرجال، أمّا في الـ30 في المئة الأخرى فنقوم بالفحوصات اللازمة دون الكشف عن أيّ مشكلة عند الاثنين، عندها نلجأ الى طفل الأنبوب". تتعدّد أسباب العقم وتختلف من الرجال الى النساء.
العقم عند الرجل
المرأة ليست وحدها في عملية الإنجاب، ولا تنطوي المشكلة على جهازها التناسلي وحدها، فالرجل أيضاً يمكن أن يعاني من مشكلات تمنع حدوث الحمل، ويعدّد نوفل أسباب العقم عند الرجال، قائلاً:
- المشكلات الخلقية في القضيب أو عدم وجود الخصيتين
- الخصيتان موجودتان داخل ما يُسمّى كيس الصفن "scrotum"، ما يحفظهما في حرارة أقلّ من حرارة الجسم، لكنه في حال لم تأخذ الخصيتان مكانهما منذ الصغر في كيس الصفن، عندها تكون هناك مشكلة في نموّهما، ما يمنع فرزهما للسائل المنوي
- امتلاء الوريد بالدم داخل كيس الصفن، ما يؤدي الى مشكلات على هذا الصعيد بسبب ارتفاع حرارة الخصيتين، وعندها نلجأ الى فحوصات الخصوبة للكشف عن عدد الحيوانات المنوية وشكلها وطريقة تحرّكها
- التدخين
- التعرّض للحرارة العالية بانتظام، مثلاً إذا كان الشخص يعمل في فرن ومنطقة خصره معرّضة يومياً للحرارة يؤثر ذلك على خصوبته
مضيفاً: "في حال وجود الفاريز على الخصيتين، والتي تسبّب العقم عند الرجال يتمّ استئصالها، ونقوم بعدها بتقييم الحالة لنرى إذا نفع العلاج".
العقم عند المرأة
أمّا النساء، فهنّ المتضرّر النفسي والجسدي الأكبر من مشكلات العقم، يعانين بدورهنّ من مجموعة من المشكلات التناسلية، وأبرزها:
- مشكلات هرمونية، وغياب الإباضة الشهرية
- مشكلات على المبيض (التكييس)
- التهابات الرحم أو حوله
- وجود مشكلة في الانابيب
- مشكلات في الرحم مثل اللحمية، الليفة...
- التدخين
- التأخّر في الانجاب
- تعدّد العلاقات الجنسية، ما يسبّب التهابات حول الرحم والانابيب.
شارحاً أنّ "المرأة في يومنا هذا تعمل داخل البيت وخارجه، ولديها الكثير من المسؤوليات، لذلك تسعى إلى تأخير حملها، ولكن من الضروري معرفة أنه بعد عمر الـ30، تتراجع نوعية احتياطي المبيض، ما يمكن أن يسبّب لاحقاً مشكلات في الانجاب".
مضيفاً: "من جهة أخرى، تزعم نساء كثيرات أنه صَعبَ عليهنّ الانجاب بعد تناولهنّ حبوب منع الحمل، فمن الضروري معرفة أنّ أسباب ذلك لا تعود الى حبوب منع الحمل نفسها، بل تدلّ على وجود مشكلة نسائية أخرى تمنع الحمل، وعادة تكون المشكلة حالة تُعرف بالـendométriose، أي مشكلة في بطانة الرحم".
ويفصّل هذه المشكلة قائلاً: "هذه الحالة شائعة جدّاً بين الإناث، وخصوصاً اللواتي يعانين من ألم جدّي خلال دورتهنّ الشهرية، ما قد يستدعي نقلهنّ الى طوارئ المستشفى، ويعود ذلك الى وجود الخلايا التي يجب أن تكون داخل بطانة الرحم وعلى المبيض أو حول الرحم، ما يسبّب العقم. وفي هذه الحالة، يصف الطبيب حبوب منع الحمل كعلاج للوجع. وقد تتأخّر المرأة في الانجاب، أو يمكن أن تحتاج الى مساعدة طبّية للتمكّن من الحمل".
الفحوصات
للكشف عن أسباب العقم ومعالجة هذه المشكلة، يجب على الزوجين الخضوع لعدد من الفحوصات، ويفصّلها قائلاً: "تبدأ الفحوصات بالكشف عن السائل المنوي عند الرجل، بعدها نفحص الهرمونات عند المرأة، ويتمّ اللجوء الى المنظار لفحص الرحم والمبيض للتأكّد من عدم وجود أيّة مشكلة فيه (مثل التكييس)، بالاضافة الى فحوصات الدم، وصورة للأنابيب".
العلاج الحديث
العقم مشكلة مرضية لها علاجات ناجحة عدّة، ويشرح د. نوفل عن بعض من العلاجات، قائلاً "نلجأ للجراحة عند النساء في حال وجود حاجز داخل الرحم كالألياف، أو تكييس على المبيض. وفي حال وجود مشكلات هرمونية، وغياب الدورة الشهرية، نطلب من المريضة أن تخفّف من وزنها، فهذا يساعد كثيراً في العلاج، كما أنه يمكن أن نعتمد على طفل الانبوب، وسحب الحيوانات المنوية، وإجراء عملية تلقيح اصطناعي".
أمّا الـ"social freezing" فهي من أحدث التقنيات التي بدأ استعمالها في الخارج، ويقول إنّها "مخصّصة للواتي ترغبن في المحافظة على قدرتهنّ المستقبلية على إنجاب الأطفال، إمّا لعدم توفّر شريك حالي، أو لأسباب شخصية أو طبّية أخرى. وتقوم هذه التقنية على استخراج البويضة وتبريدها للحفاظ عليها، للتمكّن من استعمالها لاحقاً عندما تقرّر الانجاب".
ومع التقنيات المتطوّرة والتشخيص الصحيح وتطوّر استعمال المنظار والأدوية التي تساعد على العلاج، لم يعد العقم مرضاً مستعصياً، بل أصبحت فرص نجاح علاجه عالية جداً.
وفي السنوات المقبلة، ووسط التطوّر الذي يشهده المجال الطبّي، ستصبح مشكلة العقم سهلة ونسب الشفاء منها والتمكن من الانجاب أعلى، على ما يؤكّد د. نوفل، الذي شدّد في نهاية حديثه على "ضرورة نشر التوعية في هذا الموضوع، وتوجّه المرأة عند الطبيب النسائي كلّ سنة للكشف، وقيامها باللقاحات اللازمة مثل لقاح الـHPV"، منوِّهاً أنّ "الاجهاض (رغم أنه ممنوع في لبنان) قد يؤثّر على الانجاب مستقبلاً".
(الجمهورية)