مع دخول البلاد عطلة عيد الفصح لدى الطوائف التي تتّبع التقويم الغربي، وغياب رئيس الجمهورية للسنة الثانية على التوالي عن قداس العيد في بكركي، دخلت السياسة في إجازة، وانكفأ النشاط لمصلحة إقامة رتب سجدة الصليب في الكنائس ورفع الصلوات والعظات التي ركزت على السلام والاستقرار والمحبة. الّا انّ الإجازة تنتهي يوم الثلثاء المقبل لتكرّ معها سُبحة الاستحقاقات والمواعيد. وتتمثل أبرز الملفات الساخنة بملف أمن المطار الذي أثاره وزير الداخلية نهاد المشنوق من لندن، فردّ وزير الاشغال العامة غازي زعيتر مُعلناً عزمه على عقد اجتماع يوم الثلثاء لشرح كلّ الأمور المتعلقة بالأوضاع الأمنية والإدارية والتجهيزات. والى هذا الملف، تشخص الانظار مجدداً الى عين التينة مع انعقاد اجتماع هيئة الحوار الوطني يوم الاربعاء المقبل، وسيعرض رئيس مجلس النواب نبيه بري خلاله تقرير اللجنة النيابية في شأن قانون الانتخابات النيابي، إضافة الى ضرورة تفعيل عمل مجلس النواب واستئناف الجلسات العامة. وتبقى قضية الانترنت غير الشرعي في واجهة الاهتمام، وهي لن تغيب عن نقاشات جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل. خرقت جولة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والوفد المرافق، الاستراحة السياسية في البلاد، وطرحت زيارته الهادفة الى «تحسين ظروف اللاجئين السوريين الذين أصبحوا يشكلون ربع سكان البلاد»، علامات استفهام عدة حيال هذا الأمر، فهل يسعى المجتمع الدولي من خلال منح لبنان هِبات مالية الى إسكاته في موضوع النازحين وغَلغلتهم في مجتمع سيشكلون جزءاً من مواطنيه في المستقبل القريب؟ أو بالأحرى هل تتجه الدولة نحو توطين السوريين في بلادنا؟

سلام

وكان رئيس الحكومة تمام سلام قد أبدى ارتياحه لنتائج الزيارة ملمّحاً الى أنها جاءت في توقيت جيد وشكّلت مناسبة للتفاهم على أمور عدة.
وقالت أوساطه لـ«الجمهورية» إنّ بان أبدى تفهّماً عميقاً للواقع اللبناني.

واشادت بالجهود التي بذلها موظفو الأمم المتحدة في بيروت لجهة إطلاع بان وكبار المسؤولين في المؤسسات الدولية على حقيقة ما يعانيه لبنان جرّاء الأزمة السورية وما ألقَته من عبء سياسي وامني واقتصادي واجتماعي وتربوي وصحي، ما يؤدي الى تشجيع المؤسسات الدولية على رفع نسبة المعونات للبنان لمواجهة الوضع الخطير الى حين عودة النازحين الى أراضيهم في أسرع وقت ممكن.

وقالت الأوساط: «إنّ الحديث عن توطين السوريين في لبنان كلام كبير ليس أوانه اليوم، فبلادهم تعاني أزمة خطيرة ولكنها لم تشهد احتلالاً يحول دون عودة السوريين جميعاً الى بلداتهم ومدنهم».

مصادر ديبلوماسية

ونقلت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» عن قريبين من بان أنه اطّلع للمرة الأولى وعن كثب على حقائق كثيرة، وفي ذلك نقاط إيجابية عدة ستحتسب لمصلحة لبنان الذي عليه ان يستمر في رفض توطين السوريين والسّعي الى ردهم الى بلادهم وممارسة أقصى الضغوط على القوى الكبرى التي تناقش الأزمة السورية والحلول المقترحة لها.

قزي

وقال وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «انّ زيارة بان للبنان مهمة في هذه المرحلة التي لا رئيس جمهورية وليس هناك من مجلس نيابي فاعل ولا حكومة منتجة. وأكثر من ذلك، فإنها تأتي بينما بدأت مفاوضات التسويات في الشرق الاوسط ولا سيما بالنسبة لسوريا. وما يعطي أهمية اكثر للزيارة انّ بان كي مون أتى برفقة رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الاسلامي.

لكن ما يقلق فيها انها أتت وكأنها زيارة لأكثر من دولة: لدولة لبنان التي هي بلا رئيس، لدولة النازحين السوريين ولدولة الفلسطينيين الذين تتخلّى عنهم «الأونروا». لذلك، كان الرئيس تمام سلام واضحاً وحازماً في التشديد على رفض أيّ توطين فلسطيني او سوري في لبنان، وخطابه كان خطاب رجل دولة حريص على وحدة لبنان واستقلاله وميثاقه.

ونحن في هذا الاطار، وإن كنّا بحاجة لمساعدات مالية لمساعدة النازحين السوريين، فإننا نرفض ايّ مساعدة ممكن ان تؤدي الى تثبيتهم في لبنان والى تعزيز التوطين الفلسطيني الحاصل في لبنان. ومع اننا نؤيّد إحاطة اللاجئين الفلسطينيين بالعناية الضرورية، فإننا لا نفهم الزيارة التي قام بها الى نهر البارد في حين انّ مشكلة الفلسطينيين هي في مكان آخر.

وكنّا نتمنى عليه ان يحصر زيارته بجمع القيادات اللبنانية لانتخاب رئيس للجمهورية، فلا أظن انّ الوعود المالية هي التي ستشكّل حافزاً لانتخاب الرئيس لا بل من العار على القيادات اللبنانية ان تُقايض وصول الهبات والقروض بانتخابه».

وتساءل قزي: «إنّ بان الذي ذهب حتى الشمال اللبناني لزيارة مخيم نهر البارد، «لماذا لم يكلّف نفسه المرور ببكركي للاجتماع بالبطريرك الراعي في مقرّه وليس في بيروت؟». وأضاف: «على كل حال يجب إعادة النظر في البروتوكول الذي رافق هذه الزيارة، إذ من أولى الامور أن يزور الامين العام وزارة الخارجية بغضّ النظر من هو الوزير أكان من 8 أو من 14 آذار».

باسيل

توازياً، يعقد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل مؤتمراً صحافياً عند الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم في البترون، يتناول خلاله ملف النازحين السوريين وموضوع الارهاب.

الجدير ذكره انّ باسيل كان قد غاب عن استقبال بان في مطار بيروت الدولي وعن المحادثات التي أجراها رئيس الحكومة مع بان في السراي الحكومي أمس الاول.

بان والراعي

وكان بان تَوّج يومه الثاني من زيارته بلقاء عقده مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في مطرانية بيروت المارونية، في حضور رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر والنائب البطريركي العام المطران بولس صياح وممثلة الامين العام في لبنان سيغريد كاغ.

وتطرق البحث الى موضوع رئاسة الجمهورية حيث كان توافق على وجوب تعاون كل اللبنانيين من اجل تسهيل عملية الانتخاب لأنّ استمرار الفراغ يزيد من أزمات لبنان ويسير به الى الوراء، إضافة الى مسألة النازحين التي تُثقل كاهل لبنان بتداعياتها الاقتصادية والسياسية والامنية. وكان تشديد على ضرورة استئصال اسباب الارهاب وتعزيز الحوار بين الاديان وتنمية الاعتدال في مواجهته وقد باتَ يهدد العالم بأسره.

وخلال اللقاء سلّم الراعي الى الأمين العام مذكّرة مفصّلة تتضمّن عرضاً للمواضيع الشائكة الراهنة في لبنان ومنطقة الشرق الاوسط، مع اقتراحات لحلّها.

صيّاح

وأكد صيّاح لـ«الجمهوريّة» أنّ «اللقاء كان مهماً، وقد بادر الأمين العام للأمم المتحدة الى فتح ملف أزمة الشغور الرئاسي، وقال للبطريرك الراعي إنه يتوجّب على اللبنانيين أن ينتخبوا رئيساً لأنّ هذا الشغور يؤدي الى شلل المؤسسات وعدم الإستقرار.

عندها، أجاب البطريرك الراعي: صحيح أنّ الرئاسة شأن لبناني، لكنّ الأزمة الرئاسيّة مرتبطة بالخارج، وعلى المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة، وعليكم ان تساعدوا في حلّ أزمات المنطقة من سوريا الى العراق والحروب المتنقلة لأنّها تؤثر في الساحة اللبنانية وتُطيل أمد الفراغ».

ولفت صيّاح الى انّ «الراعي لم يتلقّ وعداً من بان كي مون بالمساعدة على حلّ الأزمة الرئاسيّة لأنّ الأمين العام مصرّ على أن حلّ الفراغ الرئاسي هو شأن لبناني».

وعن أزمة النزوح السوري، أوضح صيّاح أنّ «المسألة لم تُطرح من زاوية التوطين، بل إنّ الراعي أكّد لبان كي مون موقف الخارجيّة اللبنانية وتخوّفها من قرار مجلس الامن الدولي الذي نَصّ على العودة الطوعية للنازحين، ما يشكّل هاجساً لبنانياً إضافياً من إمكان بقائهم لوقت طويل، في وقت لا يستطيع لبنان تحمّل كل هذه الأعباء، وقد دعا المجتمع الدولي الى التحرّك لوَقف الحروب لكي يعود النازحون الى ديارهم».

وكشف صيّاح انّ الرسالة التي سلّمها الراعي الى الأمين العام هي الرسالة الثانية، بعدما كان قدّ سلمه رسالة مماثلة العام 2011، مشيراً الى انها «تضمّنت شرحاً مفصّلاً عن وضع لبنان والمنطقة بعد انتشار التطرّف، والمطالبة بدعم الشرعية اللبنانية وتقوية الدولة والمؤسسات وعلى رأسها الجيش اللبناني، وحلّ ازمة النزوح ووقف الحروب، والحفاظ على وجود الأقليات في لبنان والشرق، إضافة الى مطالب لبنانية عدة في ما خصّ مساعدة المجتمع الدولي للبنان».