اختتم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون زيارته اللبنانية معايناً في أسبوع «الآلام» معاناة النازحين والمجتمع المضيف لهم بقاعاً وشمالاً، ومعاناة اللبنانيين عموماً جراء تعطيل الانتخابات الرئاسية. وبينما نقل الضيف الأممي رسالة واضحة في ملف النزوح تتضمن نفياً قاطعاً لمحاولات توطينهم على الأراضي اللبنانية، تلقى في المقابل رسالة مسيحية وطنية من رأس الكنيسة المارونية تشكو له استمرار الشغور في الموقع المسيحي الأول، بقول البطريرك بشارة بطرس الراعي له وفق ما نقلت مصادر اللقاء الذي جمعهما في مطرانية بيروت للموارنة لـ«المستقبل»: «تأملنا كثيراً بحل الأزمة الرئاسية لبنانياً لكننا لم نفلح ولذلك نحن نتكّل عليكم ونطلب منكم أن تساعدونا لانتخاب الرئيس»، مشيرةً إلى أن بان أكد بدوره للراعي أنّ المجتمع الدولي مُصرّ على رؤية اللبنانيين ينتخبون رئيساً لهم في أقرب وقت ممكن، مبدياً في الوقت عينه حرصاً أممياً ودولياً على «أمن لبنان واستقراره وبقائه موحداً بجغرافيته وديمغرافيته».

وبينما سلّم البطريرك الماروني رئيس المنظمة الأممية مذكرة مفصلة تتضمن عرضاً للمواضيع الشائكة الراهنة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط مع اقتراحات لحلها، أوضح البيان الإعلامي الصادر عن اللقاء أن الجانبين توافقا «على وجوب تعاون كل اللبنانيين من أجل تسهيل عملية الانتخاب الرئاسي لأن استمرار الفراغ يزيد من أزمات لبنان ويسير به إلى الوراء»، إضافة إلى «التشديد على كون مسألة النازحين تثقل كاهل لبنان بتداعياتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وعلى ضرورة استئصال أسباب الإرهاب وتعزيز الحوار بين الأديان وتنمية الاعتدال في مواجهته». ورداً على سؤال إثر اللقاء أوضح رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر لـ«المستقبل» أنّ «غبطة البطريرك أثار خلال مناقشة ملف النازحين السوريين مسألة العودة الطوعية إلى وطنهم»، لافتاً إلى أنّ الراعي طرح «جملة أسئلة حول هذه المسألة تتمحور حول ضرورة ألا تكون عودتهم متروكة للأقدار وغير مرتبطة بسقف زمني محدد».

وجال بان أمس يرافقه رئيسا البنكين الدولي جيم يونغ كيم والإسلامي للتنمية أحمد محمد علي مدني في الشمال، بحيث شملت الجولة مخيم نهر البارد حيث عاين الحاجة إلى استكمال الدعم المادي الدولي لعملية إعادة إعمار المخيم كما تسلم شكاوى الفلسطينيين حيال توقف مساعدات الأونروا، وصولاً إلى طرابلس حيث افتتح في منطقة القبة مركز الشؤون الاجتماعية في حضور الوزير رشيد درباس، ومنها إلى «حيّ التنك» في الميناء حيث نقلت مصادر الوفد المرافق لـ«المستقبل» إعجاب المسؤول الأممي بالحضارة الطرابلسية العريقة، مشيرةً إلى أنه في سياق الجولة الميدانية في الحيّ أقدم أحد المواطنين على إشهار بطاقة المساعدات التي يتلقاها من وزارة الشؤون للتدليل على كونه عاطلاً عن العمل نتيجة التردي الحاصل في الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي دفع رئيس البنك الدولي إلى دعوة اللبنانيين المتأثرين بحالة التردي الاقتصادي الضغط باتجاه إعادة عمل البرلمان لإقرار المشاريع والهبات الحيوية التي تعيد تنشيط الدورة الاقتصادية في البلد.

وعن تقويمه للجولة في الشمال وطرابلس، قال درباس لـ«المستقبل»: «كانت من أروع ما يكون، وشعرتُ باعتزاز غير مسبوق»، كاشفاً أنه تلقى وعوداً من رئيسي البنكين الدولي والإسلامي بإرسال موفدين دوليين خلال الأسبوعين المقبلين لمتابعة أوضاع طرابلس والخدمات التنموية والاجتماعية التي تحتاجها.

كذلك زار بان البقاع حيث وصل والوفد المرافق جواً على متن مروحيات للجيش والأمم المتحدة إلى مطار رياق العسكري قبل أن يزور مخيم النازحين في الدلهمية ويستمع إلى حاجاتهم، متمنياً في تصريح أدلى به في ختام الزيارة «أن تؤدي مساعي الأمم المتحدة إلى نتائج ايجابية في ما خص وقف إطلاق النار في سوريا».

ومساءً، عاد إلى بيروت حيث عقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع كيم ومدني في فندق فينيسا بحضور منسقة الأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ وقائد «اليونيفيل» الجنرال لوتشيانو بورتولانو، أعرب بان خلاله عن أنّ «العالم بأسره مُدين بشكل كبير للشعب اللبناني وللسلطات اللبنانية لسخائهم في إيواء أكثر من مليون لاجئ»، مطالباً في المقابل الدول المانحة بأن «تفي في أقرب وقت ممكن بالتعهدات» التي قطعتها لدعم لبنان خلال انعقاد مؤتمر لندن، مع نفيه في الوقت نفسه أن يكون قد بحث أي موضوع يتعلق بتوطين اللاجئين السوريين خلال زيارته لبنان.