تحصر "برج الملوك" الدمعة في العين. كيف السبيل الى البكاء في حضرة الشهادة والبطولة؟! ففي العادة، يُزفّ شهداء الجيش عرساناً بزهر النصر والشرف، فكيف لها ان تُخالف اصول هذه "الاحتفالية"، حتى لو كان شهيدها عريساً راقصته فرحاً منذ عامين، وتبريكاً منذ عام حين انجب صغيراً الى الدنيا؟!
سترفع البلدة الجنوبية، باسم لبنان، يافطات التهنئة. هذا هو ابننا، بطلنا، وسام الشرف والتضحية والوفاء.
وهو ابنكم وابن المؤسسة العسكرية الابيّة. اسمه عامر حاتم يوسف.
استُشهد جراء عبوة ناسفة في عرسال، وهو في ربيعه الثلاثيني. هو "أبو يورغو"، دائم الابتسامة، المواظب على الشجاعة.
يُبكى عامرٌ كشاب خلوق، محبّ، مؤمن، حنون، وطني الى حدّ توّرم وريد القلب. او حتى حافة الانهيار. او الى حدّ السؤال عن المنطق الذي يبقي ارهابياً على قيد حياة وان مشينة، فيما تتناثر اجساد الشرفاء أشلاء! لكنّ عامراً ليس شابا عادياً، كسواه من ابطال الجيش، لا يليق بهم الا بخور الدمع، فان اشتعل، أعبق الجوّ رهبة وقداسة وحياة.
وعامر الذي يرحل في أسبوع الآلام، يستحيل موته قيامة. قيامة وطن سيّد حرّ مستقل، ايا تكن الجلجثة.
وبهذه الروحية تكلم شقيقه فيصل، والحنجرة مشدودة بين وتري الالم والفخر، فقال عبر موقع "لبنان24": هذا نصيبه، لا هو الاول ولا الاخير.
هي رسالتنا وعلينا تأديتها بأمانة". وفيصل حاتم يوسف هو ايضاً منتسب الى المؤسسة العسكرية، كما شقيقه الثالث طارق اللذين واجها الارهابيين في احداث نهر البارد. هي عائلة ، تستحق اذاً تقبيل التراب الذي يدوسه الاخوة الثلاث! مساء الاربعاء التقى فيصل بعامر. كان الاول بصدد غسل سيارته فسأل اخاه ان كان يريد ايضاً غسل عربته، لكن عامر اجلّ الموضوع لحين عودته من خدمته في عرسال. "لم يف بوعده"، يقول فيصل. لكن هذا ليس الا تفصيلاً في دوامّة الحسرة، فالأهم ان عامر وفى بوعده الذي قطعه منذ انتسابه الى الجيش في 21 ايار 2003! مبارك اذاً هذا الوفاء، وهذا الرحيل.
اليوم تستقبل برج الملوك ملكها في البطولة لتلقي عليه تحية الوداع والاحترام. المحطة الاولى ستكون امام مبنى البلدية، هنا في الساحة التي ركض فيها طفلاً، يُزفّ العريس.
عند الثالثة ظهراً تقام مراسم الدفن في كنيسة مار جرجس للروم الأرثودكس، فيعود المعاون عامر الى التراب الذي احبّ. وفي "الجمعة العظيمة" يبكي المسيحيون برجاء، لأن السبت نورٌ، والاحد قيامة.
لن ينسى لبنان ان عامر عقد صداقة مع الوطن، لا خيانة تشوبها ولا غدراً. وانه عقد صداقة مع الحياة، فبات بموته شهيداً، حاضراً خالداً.
واليوم، يواسي اصدقاؤه انفسهم ويكادون "يفرحون": عامر لحق برفاقه الابطال في المؤسسة العسكرية، وبرفيقي الطفولة الغائبين منذ سنوات. تراهم جميعاً في هذه اللحظات يحتفلون من عليائهم بانتصار النور على الظلام، فيستحيلون نجوماً تقرّب الارض من السماء.
لبنان 24