أخرج اليوم الأول من زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون للبنان الواقع الداخلي من رتابة اليوميات السياسية والملفات المتشابكة ولو أن عملية التفجير الارهابية التي استهدفت دورية للجيش في جرود عرسال موقعة شهيداً وثلاثة جرحى بدت في جانب من توقيتها بمثابة استهداف للاطلالة الأممية على لبنان في الشق الذي يتصل بالدعم الدولي للجيش والمؤسسات الامنية. ويمكن استناداً الى المعطيات التي تجمعت نتيجة المحادثات التي أجراها الامين العام للامم المتحدة الذي يرافقه رئيس البنك الدولي جيم يونغ - كيم ورئيس البنك الاسلامي للتنمية أحمد محمد علي والخلاصات العلنية التي برزت من خلال كلمات الزوار اجمال أهداف الزيارة التي ستستكمل اليوم بمزيد من المحطات البارزة بشقين أساسيين وإن يكن الواقع المتصل بالوضع على الحدود مع اسرائيل والمواجهة مع الارهاب أيضاً أخذ حيزاً مهماً من المحادثات اللبنانية - الأممية. الشق الأول مالي واكتسب دلالات بدت مفاجئة لكثيرين من خلال "اغداق" التحفيزات المالية على لبنان على خلفية قضية الأعباء الثقيلة التي يتحملها في إيوائه أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري بالاضافة الى اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون أزمة مع وكالة "الاونروا" اخترقت جانباً من اهتمامات الوفد الأممي. والشق الثاني سياسي يتصل بأزمة الفراغ الرئاسي التي حضرت في محادثات الامين العام للأمم المتحدة مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء تمام سلام وكذلك لدى زيارة الوفد وزارة الدفاع في اليرزة.
ولعل العامل الأكثر اثارة للاهتمام الذي برز في الاندفاع الأممي للحض على ملء الشغور الرئاسي تمثل في كلام بالغ الوضوح يتصل بتشجيع لبنان على الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية كحافز أساسي لتلقي مساعدات بلغت الوعود بها مليارات عدة من الدولارات. وهي المرة الاولى تقريباً التي يجري التعبير عن موقف اممي مماثل.
الحوافز المالية
والواقع ان موضوع "الحوافز" المالية برز فور وصول الوفد الاممي الى بيروت مع توقيع رئيس البنك الاسلامي للتنمية مع مجلس الانماء والاعمار خمسة اتفاقات بمبلغ 373 مليون دولار، على ان يوقع قريباً اتفاق سادس يرفع المبلغ الى 400 مليون دولار. كما ان رئيس البنك الدولي أعلن تقديم مئة مليون دولار مخصصة لقطاع التربية. وأعلن أيضاً رئيس البنك الدولي انه والبنك الاسلامي في طور انشاء صندوق بقيمة مليار دولار "قد تتحول الى أربعة أو خمسة مليارات دولار من خلال استعمال الرافعات المالية المتوافرة لدى البنك الدولي لضخ هذه المبالغ في مشاريع بنى تحتية اساسية لدى البلديات على مدى سنوات". لكنه لفت الى عدم امكان التعامل مع لبنان "بالطريقة التقليدية لان مجلس النواب لا يجتمع لاقرار القروض وان لدى البنك أموالاً يريد ان يقدمها الى لبنان لكنه عاجز عن ذلك بسبب شلل المؤسسات فيه". ولم يفته التشديد على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية. كما ان رئيس البنك الاسلامي للتنمية تحدث بدوره عن استعداد البنك للنظر في أي مشاريع جديدة تتقدم بها الحكومة اللبنانية. واذا كان المسؤولان الماليان تكفلاً الحديث عن الاهداف التحفيزية للزيارة، فان بان كي - مون ركز على الجوانب السياسية والامنية والديبلوماسية خصوصا في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الوفد الاممي والرئيس سلام في السرايا.
وأوضح بان ان الزيارة "تبين ان المجتمع الدولي متحد ومستعد لتقديم دعمه القوي للبنان "الذي وصفه بأنه من بلدان "قليلة أبدت السخاء حكومة شعباً ازاء اللاجئين السوريين"، مبدياً قلقه من الاعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين "يعيشون في فقر مدقع". كما تطرق الى الواقع السياسي في لبنان، فرأى ان "رئيس لبنان يعد رمزاً مهماً لوحدة شعبه ورمزاً للتعددية في هذه المنطقة ومن الأهمية بمكان ملء فراغ الرئاسة في أقرب وقت حتى يصبح لبنان كاملاً مرة أخرى".
وتميزت زيارة الامين العام لوزارة الدفاع بلقاء موسع ضمه ووزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي وممثلة الامين العام في لبنان سيغريد كاغ وقائد "اليونيفيل" الجنرال لوتشيانو بورتولانو وسفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان (الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وايطاليا وجامعة الدةل العربية). وأشاد بان كي - مون على الاثر "بالنجاح الذي يحرزه الجيش والاجهزة الامنية اللبنانية في مجال حفظ الامن والاستقرار وخصوصاً حماية الحدود من تهديد الارهاب"، مؤكداً "اننا سنستمر في الدعوة الى زيادة الدعم للجيش اللبناني".
وعلم ان محادثات الوفد الاممي مع الرئيس سلام كانت ايجابية اذ تفهم الوفد شكوى رئيس الوزراء من التقصير الدولي في استجابة متطلبات لبنان وقرن سلام المحادثات بطلب رسمي من الامين العام للامم المتحدة لبذل مساعيه من أجل ترسيم منطقة الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة المتنازع عليها بين لبنان واسرائيل.
ومن المقرر ان يتخذ الجانب المتصل بأزمة الفراغ الرئاسي بعداً خاصاً من خلال الزيارة التي سيقوم بها الامين العام للامم المتحدة بعد ظهر اليوم لبكركي للقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد جولة سيقوم بها بان على منطقة الشمال حيث سيزور طرابلس لافتتاح مركز تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية ومن ثم سيزور مخيم نهر البارد.
ويشار الى ان تخلف وزير الخارجية جبران باسيل عن استقبال الامين العام للامم المتحدة في مطار رفيق الحريري الدولي صباح أمس عزته أوساط باسيل الى ان الزائر ليس رئيس دولة ولذا انتدب الامين العام لوزارة الخارجية لاستقباله، كما كان في الاستقبال مندوب لبنان الدائم لدى الامم المتحدة السفير نواف سلام. فيما بررت أوساط باسيل غيابه عن محادثات السرايا بوفاة خال الوزير.
وفي سياق داخلي آخر، برز تطور جديد في قضية شبكات الانترنت غير الشرعية تمثّل في رفع الرئيس بري بناء على طلب لجنة الاعلام والاتصالات النيابية السرية عن محاضر جلسات اللجنة التي ناقشت هذه الفضيحة ووضعها في تصرف المراجع القضائية المختصة. وأبلغ ذلك الى المدعي العام التمييزي والمدعي العام المالي والمدعي العام العسكري.