بالعودة إلى إطلالة السيد حسن نصرالله التلفزيونية الاخيرة على قناة الميادين، لم يكن أمين عام حزب الله حازما وجازما إلا في مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. فعند مقاربة هذا الملف، أعاد السيد التذكير بأنّ مرشح الحزب هو الجنرال ميشال عون، ولن يحيد عنه، ولن يحضر جلسة انتخابات لا تكون نتائجها مضمونة للرئيس العتيد،وعليه فإنّ "من حقنا الدستوري"كما عبّر عن ذلك صراحة،أن نتغيّب .
ولم يُكلّف نفسه عناء شرح هذا المفهوم الجديد في التعطيل، وكيف يكون الغياب دستورياً ،وخُلو سدةّ الرئاسة دستوريا في الوقت عينه، فهذا الدستور عُني، وأول ما عُني به هو ملء الفراغ الرئاسي، ولم يخطر على بال مُشرّعيه أنّه سيأتي يوم ،يتطاول به مسؤولون على مصير المؤسسات الشرعية التي يصونها الدستور ،وباسم الدستور وتحت ظله.
وعلى كل حال، ليس هذا موضوعنا اليوم، فقد ساجل فيه القاصي والداني منذ حوالي عامين، أي من عمر هذا الفراغ الذي نعانيه، ولم يتوصل أحد إلى إقناع أحد. فالذي لفت الانتباه في السياق جزم السيد نصرالله بأنّ مسألة انتخاب الرئيس العتيد "مُقفلة" نهائيا. لا حلّ لها في المدى المنظور، فالحزب لن ينتخب الوزير فرنجية(المؤهل للرئاسة والموثوق والمضمون لدى الحزب)، ذلك أنّ شرف الرئاسة معقود للجنرال، وللجنرال وحده، وعندما سُئل عن إمكانية الذهاب إلى مرشح توافقي من الشخصيات المارونية التي يعجّ بها البلد، أجاب صراحة بلا عريضة، لا مكان لمرشح توافقي، يبيع ويشتري ويقايض على المقاومة ويرتهن للخارج، وهذا كلام موجه ربما للرئيس بري أو من يتوهمون إمكانية البحث عن مرشح خارج دائرة الأقطاب الأربعة.
والحصيلة، يبقى الوضع على ما هو عليه، لن يحيد الحزب عن عون، ولن يستجيب لنداءات البعض، ومن ضمنهم القوات،للضغط على حلفائه لانتخاب عون، فليس من شيم المقاومة أن تضغط على حلفائها، أو تكرههم على مكروه. ولم ينبس السيد ببنت شفة عن مخاطر استمرار هذا الفراغ المرعب في رأس الدولة، لا بل لعلّ الوضع أفضل "واريح" للمقاومة بغيابه، وهذا المنصب ،رغم جلاله،لا يستحق أدنى عناية أمام المهام الصعاب الموكولة للحزب في سوريا والعراق واليمن، ومواجهة محتملة مع إسرائيل جنوبا، وهذه مجتمعة لا تحتاج إلى رئيس جمهورية، قد يعيق حركة الحزب وحرّيته ،أكثر مما يسهلها، وإلى أن ينجلي غبار هذه هذه المعارك المحتدمة، قد يخلو البال للتفكير بحل ما للمعضلة الرئاسية، أمّا اللبنانيين، فلهم دستورهم، الذي لا يسمن ولأ يغني من جوع، ولهم طوائفهم، ومرجعياتهم السياسية والدينية، والله المستعان على ذلك.