يمر بين الحين والآخر خبر عن إنتحار أحدهم في منطقةٍ معينة، فيأسف سامع الخبر أو القارىء لهكذا معاناة ويتمنى لعائلة المنتحر الصبر في محنتها، فغالباً ما يستنكر أحدنا وبالصوت العالي أو في سره نبأ انتحار شخص ما، فالإنتحار المحرم دينياً، وغير المقبول إجتماعياً، والمستهجن إنسانياً، لم تردعه كل الأسباب المذكورة آنفاً.
وفيما يمر خبر الإنتحار مرور الكرام عادةً ولا يتعدى التمنيات والتحسرات، يبقى الظل المعتم مخيماً على عائلة الضحية، بما أن لجوء الشخص إلى الإنتحار يعني أنه كان يمر في مرحلة صعبة جداً من حياته، ما أوصله إلى خيار الموت.
أما بالنسبة للإنتحار، ففي لبنان يموت شخص عن طريق الإنتحار كل يومين ونصف، ففي العام 2014 كانت الإحصاءات تشير إلى موت شخص واحد كل ثلاثة أيام.
الخلاصة البديهية تدلّ الى ان نسبة الإنتحار ارتفعت، علماً بأن هذه الأرقام المقدرة قد لا تمثل الواقع الحقيقي بدقة، نظراً الى عدم الإبلاغ عن عدد من حالات الانتحار لأسباب إجتماعية ودينية وثقافية لا تزال راسخة في مجتمعنا.
وإن التفسير المنطقي لزيادة عدد الإنتحار في لبنان إن كان هناك زيادة يرجع إلى الأمور التالية: زيادة عدد السكان، نمط العيش الحالي بكل تعقيداته الاقتصادية، والمالية، والاجتماعية، والعائلية، والأمنية والتهجيرية، والنزوح، والكثافة السكانية الطارئة من الضغوط، والنظرة السوداوية للمستقبل..
كل هذه عوامل محسوسة تؤدي إلى سبب زيادة الانتحار، وكل هذه الأسباب لا تشجع على الطمأنينة لدى الإنسان لواقعه الحالي و لمستقبله. صحيح أن من يفكر بالإنتحار لا يطلب المساعدة، ولكن هذا لا يعني أنه ليس بحاجة إليها، فمن يُقدم على الانتحار لا يريد فعلاً أن ينهي حياته، بل يريد أن ينهي العذاب الذي يمر فيه وأن يكف شعوره بالألم، وفيما من الصعب تحديد ما يعانيه الشخص الذي يفكر بالإنتحار، إذ قد يعاني من الإكتئاب ومن اليأس أو من مشكلاتٍ مادية وعاطفية وقضائية، الأكيد أنه يشعر بعذابٍ يومي لا يقدر على تحمّلِه ولا يرى أيّ حلٍّ آخر له إلا بالموت، أي إنه يرى فيه طريقاً للخلاص.
فالرجال ينجحون في الإنتحار أكثر من النساء، فهم يتوسلون طرقاً مميتة كإطلاق الرصاص على أنفسهم او الشنق، فيما تلجأ المرأة الى نحر أوردتها او تناول كمية من الادوية، وهي بذلك ترسل إشارات لطلب المساعدة أو تحاول اعلام محيطها بأنها ليست على ما يرام.
ليس بالضرورة أن يعاني الشخص من إضطرابٍ نفسي لينتحر، إذ قد يفكر بالإنتحار أي شخص يمر في مرحلة صعبة في حياته، ويلفت إلى أن الوقاية من الإنتحار في حال معاناة الشخص من مرضٍ نفسي تكمن في معالجة المرض الأساسي الذي أدى إلى الأفكار الانتحارية.
من هنا، تقوم مساعدته على ملاحظة العلامات المحذرة التي تكون مبانة في تصرفاته وألفاظه وأخذها على محمل الجد، فالأشخاص ذوو السلوك الانتحاري ليسوا محكومين بالاعدام طبعاً اذ ثمة علاجات كثيرة ومتنوعة بحسب الحالة والمسبب الرئيسي.