لا يختلف اثنان حول خطورة التهديد الذي يشكلّه "داعش"، ليس على من يعتبرهم التنظيم "كفّاراً" أو "مرتدّين" فحسب، بل على كلّ من يرفض أو يحاول رفض اعتباره مقبولاً بأيّ من الأشكال!
ولمّا بات "داعش" يخيف العالم بردّات فعله القاتلة، تأتي هجمات اسطنبول وبروكسل لتؤكد "إرهابيّة" هذا التنظيم، بمعنى أنّ هؤلاء "الإسلامويين الجدد" قد انتقلوا من موقع الردّ إلى موقع الاستباق، فكانت الاعتداءات على تركيا وبلجيكا تسطيراً لنقطة ارتكاز الاستراتيجية الداعشية.
في تحليل للكاتب جورج فريدمان نشر على موقع "جيوبوليتيكال فيوتورز" تحت عنوان "بلجيكا، تركيا، واستراتيجية داعش"، يبدو ربط الاعتداءات في تركيا وبلجيكا ببعض، ملزما،ً بغية فهم حقيقة ما الذي يجري على المسرح الدولي، الذي يحاول التنظيم اختراقه عنوة.
يؤكد الكاتب أنّ الهدف من تفجيرات بروكسل واسطنبول هو زعزعة استقرار تركيا وبلجيكا، ومحاولة تجنيد عملاء جدداً من ضمن جمهور "الجهاديين" في كلا البلدين.
بادئ ذي بدء، يشدّد الكاتب على أنّ الاعتداءات المذكورة وقعت في ما يعتبر معقل الأعداء المحتملين لـ"داعش"، أوروبا وتركيا. وما الفارق الزمني الضئيل بين الاعتدائين إلّا دليلاً على محاولة التنظيم أن يكون أكثر استراتيجية من المجموعات الإرهابية الأخرى، بالإضافة إلى قدرته على التنسيق اللوجستي والميداني بشكل سلسل وهادف، أكثر من ذي قبل.
أمّا انتقاء بلجيكا وتركيا على وجه الخصوص، فمفاده الوحيد، بحسب الكاتب، أنّ من بين المقيمين في هذين البلدين من يمكنه تأدية "وظيفة" العميل لمصلحة "داعش". وبالفعل، فتركيا بلد مسلم، ويمكن للتنظيم تجنيد ما يطيب له من "جهاديين". أمّا بلجيكا، فهي تضمّ جالية وازنةمن المسلمين تثير اهتمام "داعش".
يشرح الكاتب أنّ أهميّة تركيا تكمن في كونها قوّة أساسية في الشرق الأوسط، ناهيك عن ماضي علاقتها الطيبة مع "داعش". ويضيف إنه "بضرب تركيا، يبرهن داعش لجمهوره أنّه يستطيع استهداف أيّ عدو، ويأمل باستمالة جهاديين داخل تركيا للقيام بعمليات من شأنها شلّ قدرة أنقرة على ضرب التنظيم في سوريا والعراق".
ويتابع: "أمّا بلجيكا، فتعتبر عاصمة أوروبا. فهي مقرّ الامانة العامة للإتحاد الأوروبي وعلى مقربة من مقر حلف شمالي الأطلسي (ناتو). وباستهداف بروكسل، يكون داعش قد ضرب أوروبا في صميمها". ويردف: "هنا نصل إلى العمق الاستراتيجي للمسألة؛ إذ تشكّل تركيا وأوروبا مجتمعتان، قوّة مقاومة لداعش. فيبقى للتنظيم أن يشنّ عمليات إرهابية على البلدين"، قبل أي يبادرا إلى الفعل ضدّ "داعش".
ولا يغيب عن الكاتب الضغوط التي يتعرّض لها "داعش" في سوريا والعراق، بحيث بات التنظيم بحاجة إلى زعزعة أعدائه المحتملين، والانتقال من لعب دور تقليدي إلى حالة من التمرّد.
في الواقع، تشكّل هذه الاعتداءات استثماراً؛ إذا ما نجح يكون "داعش" قد سجّل عبره هدفين: الأول هو إيجاد فصيلة "داعشية" في بلد معادٍ له، والثاني هو استغلال وجود مجتمع من المسلمين حيث يمكن للتنظيم اصطياد جهاديّيه لتجنيدهم.
(Geopolitical Futures - لبنان 24)