عندما يتزود الفكر بالعناصر الاخلاقية التي تضبط إيقاع حركته مع ذاته ومع ذات الاخرين , يُخلق في حركته ونشاطه وكل عمليات التفكير , الهاجس الدائم للبحث عن القواسم والمساحات المشتركة بين بني البشر , على إختلاف إنتماءاتهم , هكذا كان فكرُ الانبياء والرسل , البحث الدائم عن العناصر التي تجمع وتؤلف بين القلوب , ومع هذا الهاجس الاخلاقي والقِيَمي , كان يلازمه هاجس آخر معاكس له وهو السعي الدؤوب من أجل إبعاد وإخراج ما يفرّق بين الناس ببث ثقافة سامية قادرة على التسامح بأقوى صور الفضيلة .
أمام مشهد التفجيرات وقتل المدنيين الابرياء في أوروبا , فضلا عن المشاهد العنفية في العالمين العربي والاسلامي , والقتل وإراقة الدماء بطريقة غير مسبوقة على ايدي أشخاص ينتمون إلى الاسلام , ويحملون شعارات الجهاد المقدس , ومن ثم يصفون أعمالهم الاجرامية الارهابية بانها عملٌ جهادي يحبه الله ورسوله , لا يسعنا إلا أن نقف مخجولين مع الذهول من رسول الاسلام وقبله من الخالق الذي كرّم بني آدم في البر والبحر .
هذه الصورة خلقت تساؤلات كثيرة حول الفكر المسيطر على كل هذه السلوكيات , حيث أن الفكر هو المسؤول عن سلوكيات الناس بالدرجة الاولى , فلذلك لا بد من السؤال أولا عن طبيعة هذا الفكر وكيف تشكل وهل إعتمد في تشكله وتكوّنه على المبادئ الاسلامية واصوله , أم أن ثمة منشأ أو معطيات أخرى غير دينية ساهمت في تشكيل بنية هذا الفكر العنفي الذي يدفع الناس إلى إرتكاب عنفية باسم الدين , وتجدر الاشارة المهمة إلى أن ثمة أعمال عنفية حصلت في التاريخ الاسلامي بعد عصر صاحب النص مباشرة , والفرق بين العنف التاريخي في المجتمع الاسلامي وتعامل المسلمين مع الاخرين يومها , وبين ما يحصل اليوم هو فرق من حيث الوسائل والآليات , هذا يعني أن هناك جذر فكري ثقافي تاريخي عنفي , له دخالة في تشكيل الفكر الديني العنفي , وليس جديدا على الفكر الديني هذا السلوك الاجرامي الارهابي , وخاصة إذا تتبعنا الاحداث السياسية في العصر العباسي في مراحله الست , وما حصل فيه من قتل وتشريد وإراقة دماء في صراع على السلطة والمال .
ما يميز العنف الاسلامي اليوم و يجعله ينتشر بهذه الطريقة الواسعة , هو التطور في آليات ووسائل القتل والاجرام , فلو كانت هذه الوسائل موجودة آنذاك لحصل نفس الفعل ونفس العنف والارهاب , لأن المسيّر للمسلمين السلطويين هو نفس الفكر , هذا الفكر الديني التي تشوّه , وتشوّهت كل إنتاجياته , لأنه إعتمد في تشكله على معطيات من خارج المنظومة الدينية , ومنها روايات منسوبة إلى النبي أو إلى كبار الصحابة , وهي في الحقيقة من صناعة السطلة , التي قرّبت إليها فقهاء كبار وتبادلت معهم المصالح .
ما يحصل اليوم في العالم الاسلامي من إرهاب وعنف وقتل وإراقة دماء , ووصول آثاره إلى أغلب المجتمات في العالم , ادواته دينية تعتمد فكرا دينيا من صناعة البشر , وليس له علاقة بالاصول والنصوص الصحيحة , وغاياته سياسية سلطوية , يُستعمل في هذا الصراع الدين كمطية , بغطاء من رجال دين سلطويين , هم يتحملون كامل المسؤولية .