الارهاب يضرب مجدداً اوروبا من البوابة البلجيكية عبر سلسلة تفجيرات ارهابية ادت الى مقتل 38 شخصاً و250 جريحاً العديد منهم اصابتهم خطرة، وهذه العمليات تكاد تكون مشابهة لهجمات 13تشرين الثاني في باريس والتي حصدت اكثر من 200 قتيل وعشرات الجرحى.
التفجيرات في بروكسل طالت على الفور اوروبا والعالم بشظاياها، وبعد اقل من ساعة على هذه التفجيرات، اعلنت جميع الدول الاوروبية اجراءات امنية صارمة لحماية مواطنيها، كما عززت اجراءات المراقبة على الحدود، وزادت قوات الشرطة عناصرها، وعززت الحراسات حول المطارات والمرافق ومحطات المترو والطرقات الرئىسية والفنادق والمناطق السياحية وتم تسيير دوريات مع تركيز خاص على المناطق الرئيسية.
كما عقدت الحكومات اجتماعات استثنائىة، واتخذت الشرطة الالمانية اجراءات حول مطار فرانكفورت وهو اكبر المطارات في اوروبا، وعقد الاتحاد الاوروبي اجتماعا اكد فيه التمسك بالقيم الديموقراطية مع التأكيد على مواجهة الارهاب.
اوروبا الان تدفع ثمن سياستها الخاطئة، وتدفع ثمن مساهمتها في هز الاستقرار في المنطقة وتحديداً في سوريا والعراق وليبيا، وتدفع ثمن عدم اصغائها للتحذيرات من تمدد الخطر الارهابي الى اراضيها جراء سياساتها في المنطقة، وتدفع ايضاً ثمن عدم اصغائها للتحذيرات الروسية من الخطر الارهابي والمساهمة في وصول الارهابيين التكفيريين الى سوريا والعراق والى ليبيا مؤخراً، حتى ان اوروبا لم تتعامل بشكل جدي بعد الاعتداءات الارهابية في 13 تشرين الثاني في فرنسا، حيث كان الرد بعمليات عسكرية استعراضية في «الرقة» السورية، دون اي تنسيق مع الجيش العربي السوري الذي يقاتل وحده الارهاب. وبالتالي فان استمرار هذه السياسات سيفاقم العمليات الارهابية في كل المدن الاوروبية، خصوصاً ان التفجيرات في بلجيكا كشفت عن خلايا ارهابية نائمة تتحرك لحظة الاشارة وتملك كل الامكانيات، وبالتالي فان «الحل» بات صعباً و«الكلفة» الاوروبية ستكون مضاعفة في محاربة الارهاب واوروبا تدرك جيداً أن اللاجئين السوريين على اراضيها ليسوا الا «قنابل» ستنفجر في أقرب وقت، وتجاوز هذه المشكلة لا يكون الا بالمساعدة على الحل السياسي في سوريا ومساعدة الجيش السوري للقضاء على الارهاب وبدون هذا الخيار فان الارهاب سيضرب كل أوروبا خصوصاً ان «المشهد الميداني» بعد التفجيرات الارهابية يؤشر الى ان التعامل مع هذه الحوادث فيه ثغرات كبيرة من قبل الاجهزة العسكرية في الدول الاوروبية.
الارهاب بات خطرا يهدد كل دول العالم وليس اوروبا فقط. وهذا يفرض «اجندة» دولية جديدة بالتعامل مع هذا الارهاب واتخاذ قرار سياسي حاسم بمحاربته، خصوصا ان العلميات التي جرت في فرنسا وبلجيكا تؤشر الى وجود منظمات ارهابية تملك الكفاءة والخبرة والتنظيم والمال والاعداد والخرق الامني، لتقوم بهكذا عمليات عبر اختبار الاهداف وبدقة، خصوصاً ان هذه العمليات جاءت بعد ايام على اعتقال المشتبه الرئيسي في اعتداءات باريس التي وقعت في 13 تشرين الثاني ويدعى صلاح عبد السلام، وسجل التحقيق في اعتداءات باريس تقدما بعد الكشف عن هوية شريك هو نجم القراوي الذي عثر على اثار من حمضه النووي على متفجرات استخدمت في الاعتداءات.
ـ اعتقال صلاح عبد السلام ـ
قبل أيام قليلة تنفست بلجيكا الصعداء نسبيا عندما وضعت قوات الأمن اليد على صلاح عبد السلام بعد مطاردة دامت أكثر من أربعة أشهر للاشتباه في أنه لعب دورا لوجستيا محوريا في الهجمات التي هزت العاصمة الفرنسية باريس يوم 13 تشرين الثاني وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية.
في أعقاب تلك الهجمات الدامية، اتجهت الأنظار إلى بلجيكا وتحديدا حي مولنبيك في العاصمة بروكسل لأن أغلب المشتبه فيهم انطلقوا من هناك، ولأن ذلك الحي التي تقطنه غالبية من المهاجرين كان خلال السنوات الماضية منطلقا لكثير من الهجمات في مناطق متفرقة من العالم.
امس عادت بروكسل إلى الواجهة، لكن في قلب الحدث بسقوط عشرات القتلى والجرحى جراء سلسلة انفجارات استهدفت عدة نقاط حساسة بينها مطار زافينتم، ومحطة لقطار الأنفاق وسط ما يعرف بالحي الأوروبي وتحديدا بين مقري المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي.
ـ سؤال الأمن ـ
وتجدد تفجيرات امس التي شلت كثيرا من جوانب الحياة في القلب الإداري لأوروبا وتداعت لها الكثير من بلدان الجوار وخاصة فرنسا، طرح سيل من الأسئلة حول قدرات التنظيمات «المتطرفة» وحول نجاعة المقاربات الأمنية في أوروبا وغيرها في مكافحة ما يسمى الإرهاب.
ومما يزيد من حدة تلك الأسئلة أنها تأتي في وقت تواصل السلطات البلجيكية البحث عن مشتبه بهم آخرين قالت إنهم جزء من شبكة جديدة محورها عبد السلام (26 عاما) وبعد أيام من تصريح وزير الخارجية ديديي رايندرز بأن الشاب المعتقل كان «يخطط لشيء ما في بروكسل».
وجاءت أحداث امس بينما تخوض باريس وبروكسل معركة قانونية حامية الوطيس بشأن تسليم عبد السلام لفرنسا ومكان محاكمته، وامتدت تلك المواجهة إلى وسائل الإعلام بالبلدين ما دفع أحد المعلقين بصحيفة «لوسوار» البلجيكية إلى السخرية من الموقف قائلا إنه بينما يتخاصم الجاران يتسلل المسلحون لضرب أبناء البلدين.
وتؤكد تفجيرات امس أن سؤال الأمن بات مسألة عالمية وأن التفجيرات أصبحت لغة عابرة للحدود وقادرة على الانتقال من قارة لأخرى، فقبل أيام قليلة كانت الجزائر مسرحا لهجوم على حقل غاز تبناه تنظيم الدولة بعد سلسلة عمليات في دول أخرى بقارة أفريقيا كان أكثرها دموية في مدينة بنقردان جنوب تونس سقط فيها عشرات القتلى.
ـ ما العمل؟ ـ
ومع تجدد دوي التفجيرات وتوسع دائرة الرعب والهواجس في قلب أوروبا، يتجدد طرح السؤال حول المطلوب من القارة العجوز التي ترتبط تاريخيا وثقافيا وجغرافيا ببلدان تشهد اضطرابات شديدة وحروبا ضارية (خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) .
وقبل نحو سنة تقريبا، كان خافيير سولانا وهو الممثل الأعلى السابق لشؤون السياسة الخارجية والأمن لدى الاتحاد الأوربي، واضحا في رؤيته للملف. فقد دعا أوروبا لإلقاء «نظرة فاحصة على نفسها» و«إدراك أن الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين عُرضة لإغراءات المنظمات الإرهابية الآن، لأن المواطنة الأوروبية لم تترجم إلى اندماج اجتماعي واقتصادي حقيقي».
كما حث الدبلوماسي المخضرم أوروبا على الذهاب إلى ما هو «أبعد من الدفاع عن حرية التعبير، وتحسين التنسيق الشرطي لوضع الحلول الدائمة الكفيلة بعلاج التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه أتباع هذه الحركات، مع تجنب المواجهات الثقافية والاعتماد على القمع وحده».
ـ كيف وقعت التفجيرات؟ ـ
صباح الثلثاء امس هزت 3 تفجيرات العاصمة البلجيكية بروكسل، استهدف اثنان منها مطار بروكسل، وثالث وقع في محطة قطارات قرب مبنى الاتحاد الأوروبي، ما أدى لسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى. وقد هز انفجاران مبنى مطار زافنتيم بالعاصمة البلجيكية بروكسل صباح امس، وما هي إلا ساعة حتى كانت محطة مايلبيك لقطار الأنفاق ترتجف هي الأخرى من انفجار ثالث ضربها وسط العاصمة.
احد الانفجارين قام به انتحاري في صالة المغادرين التي دمرت بالكامل.
تأكيدات من شرطة الإطفاء وإخماد الحرائق أن الانفجارين تسبّبا بمقتل 11 وجرح 35 بجروح بالغة داخل المطار.
في البدء سُمع صوت في صالة المغادرين، ثم صيحات بالعربية على إثرها دوّى الانفجاران. وتعددت الشهادات على ذلك حسب وكالة بيلجا الإخبارية.
وعند الساعة التاسعة و11 دقيقة حصل تفجير آخر في محطة مايلبيك لقطار الأنفاق وسط بروكسل وأنباء عن 10 قتلى.
وتم إيقاف كل وسائل المواصلات العامة وإغلاق كافة محطات المترو، وإغلاق محطة قطار آنتويرب المركزية للتفتيش وفق وكالة VRT.
رئيس وزراء البلاد شارل ميشيل خاطب الشعب واهاب بالناس في كل أرجاء البلاد أن يراوحوا أماكنهم ولا يغادروا منازلهم.
كما تم إغلاق كافة شوارع العاصمة الرئيسية وأنفاقها أمام المرور واستنفار عام وإعلان الطوارئ.
وأُخلي محيط مقر رئيس الوزراء في شارع Rue de la Loi. وكذلك رفعت درجة الطوارئ إلى الدرجة الرابعة القصوى لتعم البلاد، واستدعاء المزيد من جنود وقوات الأمن.
واغلق المرور باتجاه المطار أمام قطارات وحافلات النقل العام وتحويل مسار الطيران القادم إلى بروكسل إلى مطارات أخرى، كما نشر مركز الأزمات رقمه للاتصال أمام كل من لديه مخاوف ودواعٍ مقلقة، وتعميم رقم الطوارئ.
ـ تغريدة لمطار بروكسل «لا تأتوا إلى المطار» ـ
وعند الساعة التاسعة و51 دقيقة عممت تغريدة لمطار بروكسيل «لا تأتوا الى المطار لانه يتم اخلاؤه، ابتعدوا عن منطقة المطار» والغيت رحلات الطيران.
ـ تنظيم الدولة يتبنى ـ
وقال تنظيم الدولة إن مجموعة من مقاتليه نفذوا هجمات بعبوات وأحزمة ناسفة استهدفت كلا من المطار ومحطة المترو الرئيسية بالعاصمة البلجيكية.
وأوضح أن المهاجمين أطلقوا نيران أسلحتهم داخل مطار زافنتم قبل أن يفجروا أحزمتهم الناسفة، وأكد أن الهجوم على محطة مترو مالبيك نفذه شخص فجّر حزاما ناسفا.
ووفقا لتنظيم الدولة، فقد أسفرت الهجمات عن سقوط أكثر من مئتين وثلاثين بين قتيل وجريح.
يأتي ذلك في وقت نشرت فيه وسائل إعلام بلجيكية صورة لثلاثة أشخاص يحتمل تورطهم في تفجيرات مطار بروكسل
وتظهر الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة لمطار بروكسل, ثلاثة مسافرين اثنان منهم بالزي الأسود, وبحوزتهم حاملات الحقائب حيث يجري التحقق من هويتهم.
ـ أثر بيلاروسي في التفجيرات؟ـ
كشف مصدر في الشرطة البلجيكية عن اعتقال 3 بيلاروس إثر تفجيرات بروكسل، فيما ذكرت وسائل إعلام أن الاستخبارات الروسية حذرت الجانب البلجيكي قبل فترة بشأن المخطط الإرهابي.
ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن مصدر في شرطة بروكسل أن المشتبه بهم هم الشقيقان ألكسي وإيفان دوفباش من مقاطعة غوميل في بيلاروسيا، ومارات يونسوف وهو مواطن بيلاروسي من أصل داغستاني يحمل أيضا الجنسية البلجيكية.
وتابع المصدر أن ألكسي دوفابش بدأ الدراسة في بلجيكا في عام 2008، ومن ثم لحق به شقيقه إيفان. ومنذ انتقالهما إلى بلجيكا، لم يذهب الشقيقان إلى مسقط رأسهما حيث يسكن والداهما، إلا نادرا.
من جانب آخر، ذكر موقع «Life News» الإخباري الروسي أن الاستخبارات الروسية سلمت مثيلتها البلجيكية قبل فترة معلومات عن مخطط إرهابي كان يعده الشباب الثلاثة المشتبه بانتمائهم لتنظيم «داعش».
ونقل الموقع عن مصدر في الاستخبارات الروسية أن الشقيقين ألكسي وإيفان دوفباش يعدان من المشتبه بهم في إعداد المخطط. وكشف أن الشقيقين دخلا بلجيكا في أواخر شباط الماضي برفقة مارات يونسوف. وأضاف المصدر: «من المعروف أن ألكسي دوفباش البالغ من العمر 27 عاما أسلم وبدأ يؤم متطرفين في الصلاة، وتحت تأثير ألكسي، بدأ أخوه الصغير إيفان البالغ من العمر 23 عاما، يهتم بالأفكار الراديكالية أيضا».
وحسب المعلومات المتوفرة للاستخبارات الروسية، فقد التحق الشقيقان بفصيل إرهابي في سوريا، وبعد خضوعهما لتدريبات هناك، توجهوا إلى الاتحاد الأوروبي.
ـ بندقية وحزام ناسف ـ
من جهتها ذكرت قناة «آر تي بي أف» البلجيكية ان الشرطة عثرت على بندقية كلاشنكوف بالمطار، بجوار جثة احد الاشخاص، كما تم العثور على حزام ناسف، بينما تفحص الفرقة الخاصة بالمفرقعات عبوة مثيرة للريبة.
كما أفاد تلفزيون «أف تي ام» ان جسماً مشبوهاً تم تفجيره في جامعة بروكسل بعد اخلائها من الطلاب.
الى ذلك، قررت السلطات البلجيكية إخلاء مفاعل تيهانج النووي القريب من الحدود مع ألمانيا، وذلك كرد فعل على الهجمات التي وقعت في بروكسل الثلاثاء، وذلك حسبما ذكرت وكالة الأنباء البلجيكية «بلجا» استناداً إلى مصادر بالشرطة البلجيكية.
ـ هولاند: العالم والإرهاب الشامل ـ
ودعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إلى تسخير كل الإمكانات وتأمين غطاء شرعي لاتخاذ إجراءات جدية.
ـ اجراءات في واشنطن ـ
كما شددت الشرطة الاميركية إجراءات الأمن في المدن الأميركية الرئيسية امس.
ونفذ عناصر شرطة - ارتدى عدد منهم ملابس مجهزة لهذا النوع من المهام - دوريات في المطارات ومحطات تبديل الرحلات في نيويورك ولوس أنجلس وشيكاغو وواشنطن في الوقت الذي ألغت فيه خطوط جوية رئيسية مثل دلتا ويونايتد وأميركان رحلاتها المتجهة إلى بروكسل أو حولت مساراتها.