حتى ندرك كيف يحمي حزب الله لبنان علينا أن نستوعب فكرة جهنمية تقول بأنّ بشار الأسد أيضًا يحمي سوريا. هذه الحقيقة لا يمكن استيعابها إلاّ عبر الغوص العميق في أدمغة الممانعة وطريقة تفكيرها، فإذا عرفنا مثلًا أنّ بشار الأسد هو رئيس "ممانع ويدعم المقاومة" وبالتالي هو مقتنع أنّه سوف يتصدى لأيّ عدوان اسرائيلي ولو افتراضي !!
من دون أيّ التفات إلى واقع إنّ أيّ اعتداء لإسرائيل ومهما كبر واستفحل على سوريا لا يمكن ومن المستحيل أن تكون نتائجه التدميرية وخسائره البشرية تصل إلى واحد بالمئة ممّا يفعله بشار الأسد نفسه وبيده، في شعبه ومدنه وقراه من دمار وتقتيل وتهديم، وكل هذا إنّما يحدث تحت شعار " حماية " سوريا من اسرائيل، ويقدم له كل الدعم والإمداد تحت هذا الاعتبار. بمعنى آخر، وفي عمق التفكير الممانع وداخل أدمغة هذه العقول تتربع فكرة سوداء ويعمل وفقها وتكاد تكون مقبولة عند شريحة واسعة من الجماهيرالمقاومة أو قل هي من المعادلات غير المفكر فيها تقول: يمكن للممانعة أن تدمر البلد وتسحق الناس وأن تستجلب كل المصائب على أنواعها الصحية والبيئية والإقتصادية إضافة إلى غضّ النظر عن الفساد والسرقات والفقر والموت جوعًا، المهم أنّ كل ذلك يحصل على أيديها هي وليس على يد اسرائيل!
صدق أيها العزيز إنّ ما تقدم أعلاه ليس فيه أيّ مبالغة، أو افتراء، أو حتى مواقف استباقية وما شابه ذلك والدليل الواضح على هذا الإدعاء هو خروج سماحة السيد حسن نصرالله بالأمس على شاشة الميادين ليخبرنا أنّه حاضر وجاهز هو وحزبه ومقاومته للتصدي والوقوف بوجه أيّ اعتداء اسرائيلي محتمل تحت اليافطة نفسها التي تحمل شعار "حماية لبنان". عن أيّ لبنان يتحدث سماحة الأمين العام في هذه اللحظة، عن لبنان بدون رئيس، أو عن لبنان السرقات ، أوعن لبنان القمح المسرطن أوعن لبنان المديونية وتعطيل المؤسسات والدواء الفاسد والخبز الفاسد والطبقة السياسية الفاسدة.
ترى ألاّ يدرك سماحة السيد أنّه يتحدث عن لبنان المنهك والمترهل والواقف على شفا جرف هار؟ ألاّ يدرك سماحته أنّ في اللحظة التي كان يهدد ويتوعد فيها العدو الإسرائيلي كان اللبنانيون مشغولون بأكبر عملية فساد وسطوٍ على المال العام من خلال شبكة انترنت غير شرعية وما يقال عن أجهزتها الإسرائيلية أيضًا.
من بديهيات القول إنّ ما يعرفه سماحة السيد عن خبايا الفساد والإنحراف والترهل الذي يصيب البلد هو أكبر بكثير ممّا نعرفه نحن وممّا يصل إلى مسامعنا من فضائح ضخمة بسبب تضارب المصالح بين المفسدين من دون أيّ توقع الى الوصول لخواتيم عادلة تحاكم مرتكبيها وتمنع تكرارها بسبب غياب القضاء والمؤسسات الرقابية.
إلاّ أنّ هذه المعرفة وبكل التفاصيل لا تخلق عند سماحته أيّ دافع أو أيّ مسوّغ للوقوف بوجه كل هذه الإعتداءات التي تصيب لبنان واللبنانيين، وتؤدي إلى ما هو أعظم بما لا يقاس من أيّ اعتداء إسرائيلي، لأنّ اللبناني وأهل الجنوب بالخصوص بامكانهم تجنب الطائرات الصهيونية والإختباء من صواريخه القاتلة، ولكن من المستحيل عليهم الفرار من زحف الجوع والفقر والفساد والمرض الذي يطاردهم بلا أيّ حامي أو مغيث.
ليبقى القول أنّ كل هذا الخطر الواقع على رؤوسنا ونعيشه يوميًا وبتفاصيل حياتنا ليس هو من جانب العدو الإسرائيلي! إذًا، فإنّ سماحة السيد لا يبالي له، فكيف ترانا نستطيع أن نقنع سماحته إنّ في ساحتنا أعداء أخطر مليون مرة من اسرائيل هم اولى بحمايتنا منهم، هذا ان كانت الحماية هي الغاية حقيقة.