فيما ينشغل لبنان هذه الأيام بالحراك الدولي في اتجاهه، إلى جانب انشغاله بملفات داخلية، أبرزها استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية الذي سينعقد مجلس النواب في جلسة جديدة لأجله غداً، ومتابعة فضيحة الإنترنت غير الشرعي، وقضية «القمح المسرطن»، أطلقَ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله مساء أمس جملة مواقف من القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، فأكد استعداده للقاء الرئيس سعد الحريري إذا كان اللقاء يوصِل الحوارَ الجاري بين حزب الله وتيار «المستقبل» إلى نتيجة. وأكد أنّ دعم الحزب ترشيحَ النائب ميشال عون لا يعني رفضَ مرشّح آخر. فيما رأت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتّحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إثرَ محادثاتها لساعات في بيروت، أنّ الظروف تتطلّب «انتخاب رئيس للجمهورية ومجلسَ نواب فاعلاً، والتعاون مع الحكومة وإجراء انتخابات محلية قريباً لتعزيز صمود لبنان وشعبه في ظلّ هذه الظروف». في هذه الأجواء، سيستقبل المسؤولون بعد غدٍ الخميس الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في بَيروت، في زيارة بالغة الأهمية على أكثر من مستوى ديبلوماسي وسياسي وإقليمي ودولي، يجري التحضير لها باجتماعات تعدّ خلالها التقارير التي ستوضع في حوزته، خصوصاً على مستوى أزمة النازحين السوريين والظروف المتصلة بسعي بعض القوى الدولية الى تسهيل دخول السوريين الى سوق العمالة اللبنانية، في انتظار المرحلة التي سيعودون فيها إلى أراضيهم المدمّرة.

وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ بان كي مون بات على عِلم بالموقف اللبناني الرسمي برفض كلّ ما يسهّل أو يبرر فتحَ سوق العمالة أمام النازحين أياً كان الثمن، وإنّ على المجتمع الدولي ان يقوم بما هو مطلوب لدعم لبنان في مواجهة أزمة النازحين وتداعياتها عليه بنحو يلقي على المؤسسات والبنى التحتية اللبنانية أضراراً كبيرة، قيسَت حسب التقارير بما يزيد على 17 مليار دولار من الأضرار المباشرة وغير المباشرة.

موغيريني

وقد سبَقت موغيريني بان كي مون الى لبنان، فزارت بيروت لساعات قبل ان تغادرمساءً إلى الاردن. وأوضحت بعد لقاءاتها مع كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل وتفقّدها مخيّماً للاجئين السوريين في برالياس أنّها ناقشت مع المسؤولين «التصميم المشترك لتقوية التعاون بين لبنان والاتحاد الأوروبي في مواجهة الإرهاب، وسياسة الدعم التي يستطيع الاتحاد تقديمَها الى لبنان لتفعيل العوامل التي مِن شأنها حفظ الاستقرار في هذه الظروف الصعبة، ما يتطلّب انتخابَ رئيس للجمهورية ومجلسَ نوّاب فاعلاً، إضافةً إلى التعاون مع الحكومة، وأن تجري انتخابات محلية قريباً لتعزيز صمود لبنان وشعبه في ظلّ هذه الظروف».

وأكدت «أنّ الاتحاد الاوروبي سيواصل دعمَه للبنان، لكنّ هذا الدعم غير كافٍ وحده، لذا نريد ان نرى مؤسسات لبنانية فعّالة، وهذا يصبّ في مصلحة الجميع، والمؤسساتُ القوية تنعكس على قوّة لبنان، وينطبق هذا الامر على البرلمان والانتخابات البلدية التي نودّ ان تحصل في الربيع، وينطبق أيضاً على الجيش اللبناني.

إنّ الاتحاد الاوروبي يريد ان يعمل مع الحكومة لزيادة دعمه للجيش اللبناني لأنه مؤسسة اساسية لتأمين سلامة امن لبنان واستقراره. كذلك نتشارك جهودنا لإطلاق عملية السلام في الشرق الاوسط، والاتحادُ الاوروبي يعمل خلال هذا الشهر على ذلك، وعملنا على المبادئ الاساسية للرباعية الدولية وننسّق مع الفرنسيين والعرب لعقدِ مؤتمر دولي».

نصرالله

في غضون ذلك وجّه السيّد نصرالله مساء أمس مجموعة رسائل محلية وإقليمية ودولية الى مَن يعنيهم الامر، فأشار في حوار مع قناة «الميادين» الى أنّه «منذ اليوم الأول لعودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان شنَّ هجوماً طويلاً عريضاً على «حزب الله»، ولم يهدأ لحظة في خطابه وخطاب نوابه ووسائل إعلامه»، وقال: «إذا كان الحوار القائم بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» يحتاج إلى لقاء بيني وبين الحريري ليصلَ الى نتيجة فلا مشكلة، ولكن هل هناك حاجة إلى لقاء من هذا النوع الآن؟».

وأوضَح نصرالله أنّ «بلدنا يحتاج إلى إعادة تكوين سلطة، وبالتالي يحتاج إلى قانون إنتخاب، والنسبية بالنسبة إلى «المستقبل» خط أحمر غير قابل للنقاش»، معتبراً أنّ «حزب «القوات» يحاول دقَّ إسفين بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، ونحن متّهمون بتعطيل الانتخابات الرئاسية، ولكن إذا نزلنا إلى مجلس النواب لن يُنتخب العماد ميشال عون، ويقول «القوات» لو أنّ «حزب الله» يضغط على الرئيس نبيه برّي لكُنّا انتخَبنا اليوم عون، لكنّ علاقتنا مع برّي ليست قائمة على هذا الأساس، ونحن حلفاء».

ورأى نصرالله «أنّ الأمور ليست ناضجة إلى حدّ قيام حوار بين «حزب الله» و»القوات»، وذلك من قبَل الطرفين»، مشدّداً على أنّه «طالما أنّ عون يقول «أنا مرشّح» فنحن ندعمه»، مؤكّداً «أنّنا نريد رئيساً قوياً ثابتاً لا يُشتَرى بالمال ولا يَخاف من الإعلام، والنائب سليمان فرنجية مؤهّل ليكون رئيساً للجمهورية، وهو حليفنا وصديقنا، وكذلك فإنّ عون يمتلك الحيثيات لمنصب الرئاسة، وحين ندعمه لا يعني أننا نرفض مرشّحاً آخر».

ودعا نصرالله إلى «حوار وتسويات سياسية بدءاً بحوار إيراني - سعودي، وحوار اللبنانيين والسوريين مع بعضهم»، رافضاً الحوار مع الإسرائيليين.
وأشار الى أنّ «السعودي لا يريد حواراً لا مع إيران ولا مع سوريا ولا مع «حزب الله»، موضحاً «أنّنا ندعو إلى كل أشكال الحوار، ولا نمانع أيّ حوار، وهذا هو الطريق المطلوب، ولكنّ المشكلة اليوم هي أنّ هناك نظاماً يقوم بمعركة ليلاً ونهاراً مع الحزب، وعندما يكون في هذا المستوى من التوتّر فهو غير مستعدّ لمحاورة أحد».

و كشفَ نصرالله عن زيارة قام بها إلى إيران، مشيراً إلى أنّه التقى خلالها الرئيس الإيراني حسن روحاني «وتمّ التأكيد خلال اللقاء على العلاقة العميقة بيننا». وأوضَح أنّ «كلّ ما يقال عن خروجنا من سوريا غير صحيح.

إذا سَقطت سوريا بيَد «داعش» رحلت سوريا ورحلَ لبنان ورحلت فلسطين». وحذّر إسرائيل من شنّ أيّ حرب على لبنان، وقال: «إذا قام الاسرائيلي بتدمير بنيتنا التحتية فحقُّنا ضربُ أيّ هدف يمكن أن يردع العدو» مشيراً إلى أنّ صورايخ الحزب تطاول كلّ المفاعلات النووية الإسرائيلية.

جلسة انتخابية

إلى ذلك، تشخص الأنظار إلى الجلسة السابعة والثلاثين للانتخابات الرئاسية، والتي تُعقد غداً. وقالت مصادر نيابية لـ«الجمهورية» إنّ المساعي قائمة على قدم وساق لرفع نسبة الحضور في هذه الجلسة ليتجاوزَ الحضور النيابي الـ 72 نائباً الذي سجّل في الجلسة السابقة، خصوصاً أنّ الجلسة تنعقد عشية وصول الأمين العام للأمم المتحدة الى بيروت، لكي تحمّله هذه الأكثرية النيابية رسالةً واضحة مفادُها أنّ الرئيس الذي تريده الأكثرية موجود ولا يفصل عن انتخابه سوى توفير النصاب.

خوري في معراب

وعشيّة الجلسة، زار مستشار الرئيس سعد الحريري النائب السابق غطاس خوري أمس رئيسَ حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في مهمّة اكتنفَها الغموض، وسط استمرار المواجهة غير المباشرة بين معراب و«بيت الوسط» على الأقلّ في ملفّ انتخاب الرئيس، في ظلّ إصرار الحريري على مرشّحه رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية من جهة، بما يشبه إصرار جعجع على ترشيح رئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون من جهة أخرى.

وكشفَت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ خوري زار بنشعي قبل أيام موفداً من الحريري، حيث التقى فرنجية وعرَضا للتطوّرات على الساحة اللبنانية ولتوضيح بعض المواقف التي تمّ تبادلها في الفترة الأخيرة، ورافقَت بعض الزيارات واللقاءات التي عَقدها الحريري قبل سفره الى باريس التي يُنتظر أن يعود منها قبَيل الجلسة النيابية غداً.

عراجي

في هذا الوقت، تحدّث عضو كتلة «المستقبل» النائب عاصم عراجي لـ«الجمهورية» عن وجود احتمال كبير في أن يشارك الحريري والنائب عقاب صقر في جلسة الغد، مبدياً اعتقاده بأن يقارب عدد النواب الذين سيحضرون الثمانين نائباً. وقال: «أعتقد أنّه عندما يكتمل النصاب من المفروض ان يُنتخَب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية».

وردّاً على سؤال أكّد عراجي «أنّ تيار «المستقبل» لا يزال يدعَم ترشيح فرنجية، والفريق الآخر لا يزال على موقفه الداعم ترشيح النائب ميشال عون، ويا ليتهم يقتنعون بالنزول الى المجلس ويأخذون الأمر بروح رياضية وبطريقة ديموقراطية ونَنتخب، ومَن يربح «صحتين على قلبو»، لكن لأنّهم يدركون سَلفاً أنّ العماد عون لن يجمع الأصوات الكافية فهُم لا ينزلون الى المجلس ويعطّلون الانتخاب، ويتّهموننا نحن بالتعطيل، فيما الحقيقة خلاف ذلك، فنحن يَسَّرنا الأمور بطريقة لم يكن لأحد تصديقها».

واعتبَر عراجي «أنّ «حزب الله» في الوقت الحاضر لا يريد لا عون ولا فرنجية». وقال: «إنّ حزب الله يتسلّم السلطة بكاملها، فلماذا يريد الإتيان بشخص يشاركه فيها، بغَضّ النظر عمّا إذا كان هذا الشخص في فريق 8 آذار. هو ينتظر اتّضاح الصورة في سوريا ونتائج محادثات جنيف، عندها يمكن أن يقرّر، لكن في الوقت الحاضر الحزب لا يريد أحداً».

جونز وبون

وفي وقتٍ عاد القائم بأعمال السفارة الأميركية في لبنان ريتشارد جونز مساء أمس الى بيروت آتياً مِن بلاده بَعد زيارة استمرّت أياماً، جالَ السفير الفرنسي في لبنان ايمانويل بون أمس على بري وسلام وعرضَ معهما التطورات الراهنة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية.

قضية غامضة

وفي قضية «القمح المسرطن»، انتهى الاجتماع الوزاري الثلاثي الذي جمعَ وزراء الاقتصاد ألان حكيم والصحّة وائل ابو فاعور والزراعة أكرم شهيّب أمس، للبحث في هذا الملف، والإجابة إذا ما كان القمح ملوّثاً أم لا، إلى توصيات عامّة لا تقدّم أو تؤخّر، ومن دون إعطاء إجابات واضحة، إذا ما كان القمح نظيفاً أم لا، وإذا كان نظيفاً، لماذا تمّ إطلاق هذه الأخبار المرعِبة، والتي تحدّثت عن مواد مسرطنة في القمح؟

وإذا كان ملوّثاً فعلاً، لماذا لا يتمّ الإعلان عن ذلك بوضوح، ويتمّ اتّباع إجراءات سريعة لوقف انتشار هذا القمح في الاسواق؟ وما أنجَزه الاجتماع كان وعداً للمواطنين بزيادة الرقابة من الآن وصاعداً وزيادة التنسيق!

وفي معلومات «الجمهورية» أنّ النقطة الغامضة في الملف، والتناقض بين فحوصات وزارتي الاقتصاد والصحة، هو أنّ الصحة ترفض حتى الآن الإفصاحَ عن المكان الذي أخذت منه العيّنات للفحص. وهناك شُبهات في أن تكون العينات مأخوذة من بضاعة مهرّبة لم تدخل إلى الإهراءات في الأساس.

ويبقى السؤال: لماذا هذا التكتّم؟ كذلك تسأل المصادر: هل إنّ الأمر يخفي نيّة التستّر على طرف أو وزارة، أم أنّه تكتّم يُراد منه إخفاء خطأ وقعَت فيه وزارة الصحة بسبب تعرّضها للتضليل؟

الإنترنت والألياف الضوئية

إلى ذلك، حطّت فضيحة الإنترنت غير الشرعي في اجتماع لجنة الإعلام والمواصلات برئاسة النائب حسن فضل الله الذي دعا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الاتصالات بطرس حرب عقبَ الاجتماع، رئيس الحكومة تمام سلام إلى وضع هذه القضية على جدول اهتمامات الحكومة.

وأشار إلى «أنّنا سندعو الى جلسة نستمع خلالها إلى وزارة المال حول الهدر المالي بسبب الشبكة غير الشرعية». ونبّه إلى أنّ «القضية تستهدف أمن اللبنانيين، لأنّ الشبكة مخترقة من العدوّ الإسرائيلي».

من جهته، أكّد حرب أنّ «لدى الوزارة دلائل بأنّ شبكة الانترنت غير الشرعي مرتبطة بإسرائيل»، مشيراً إلى أنّ «هذا يعني أنّ أمنَنا بأسره قد يُخترق»، لافتاً إلى أنّ «بعض الجهات انزعجَت من التدابير التي اتّخذتها وزارة الاتصالات بملف شبكات الإنترنت غير الشرعية»، ومتمنّيا «إخراج القضية من النزاع السياسي».

لا جلسة

وتغيب جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع لمصادفتِها يوم «خميس الأسرار»، وهو أمرٌ تمّ التفاهم عليه في نهاية الجلسة الماضية، على أن يَستأنف المجلس جلساته الأسبوعية الخميسَ من الأسبوع المقبل.