في الوقت الذي تتواصل لليوم الثالث على التوالي الاعتصامات التي دعا إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمام المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد، ترى أوساط سياسية عراقية أن رئيس الحكومة حيدر العبادي بمساندة أطراف في التحالف الشيعي على رأسها حزب الدعوة والمجلس الأعلى والميليشيات الشيعية، نجح في امتصاص زخم الاعتصامات ومنع اتساع رقعتها مستخدما أساليب التهويل السياسي والإعلامي في توقع مخاطرها المحتملة وموظفا القوات العسكرية والأجهزة الأمنية في منع وصولها إلى قلب المنطقة الخضراء التي يصفها الصدريون بأنها بؤرة الفساد.
ويتصاعد الشد والجذب بين المعتصمين والحكومة العراقية، فيما تشارف المهلة التي منحها الصدر للعبادي على الانتهاء في 29 مارس الجاري، موعدا لتشكيل حكومة “تكنوقراط”، أو اقتحام المنطقة الخضراء.
واصطفت رئاسة الجمهورية والبرلمان بالإضافة إلى قادة الكتل السياسية مع حكومة العبادي، عقب اجتماع عاجل دعا إليه الرئيس العراقي فؤاد معصوم مساء الأحد، وانتهى بدعوة إلى تشكيل لجنة من الكتل السياسية تتولى التفاوض مع قادة الاعتصامات، وهو ما رفضته كتلة الأحرار التابعة للصدر، مؤكدة أن قادة الاعتصامات سيسلمون مطالبهم للجنة لإيصالها إلى العبادي دون مفاوضات.
من جهته، دعا إياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية ورئيس الوزراء العراقي الأسبق، الأحد، إلى تشكيل مجلس إنقاذ يشرف على العملية السياسية في العراق، فيما شكك في إمكانية تنفيذ حيدر العبادي رئيس الوزراء الإصلاحات.
ويكشف تشكيل لجنة من قبل الرئاسات الثلاث تكون مهمتها التفاوض مع قيادات الاعتصام حول مطالبها، عن تردد الحكومة في التعامل مع تلك المطالب التي سبق وأن عرضها الصدر بشكل تفصيلي.
وقال مراقب سياسي عراقي إنه في حالة تشكيل اللجنة “فلا حاجة إذن للتفاوض إلا إذا كانت الرئاسات الثلاث ترغب في فض الاعتصامات، من خلال إبرام صفقة تنص على وعد مؤجل بتنفيذ المطالب الشعبية، وهو ما لا أعتقد أن التيار الصدري سيوافق عليه”.
إلا أن التوقعات تشير إلى أن الصدر وتياره لن يعترفا بالهزيمة ويستعدان لإعلان العصيان المدني مع نهاية موعد المهلة الممنوحة للعبادي.
ورأى المراقب الذي لم يشأ ذكر اسمه في تصريح لـ”العرب” “أن الصدر من خلال مقاطعته للحوار مع التحالف الوطني إنما يدرك أن الاعتصامات بعد التظاهرات هي فرصته الوحيدة لإجراء التغيير الشامل الذي يرنو إليه. وهو ما دفعه إلى الإسراع بترشيح النائب المستقل السابق جعفر محمد باقر الصدر لرئاسة الحكومة، لما يحظى به من شعبية، هي إرثه الوحيد من والده الذي يمتلك مكانة رمزية لدى جماهير حزب الدعوة. وهو ما يعني أن العرض الذي تقدم به الصدر هو عبارة عن لغم سيفجر حزب الدعوة من الداخل”.
وجعفر الصدر (47 عاما) هو الابن الوحيد للمرجع الشيعي ومؤسس حزب الدعوة الإسلامية محمد باقر الصدر الذي أعدمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بسبب اتهامه بالتعاون مع إيران ضد نظامه.
وفاز جعفر الصدر في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2010 ضمن قائمة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لكنه قدم استقالته بعد عدة أشهر بسبب ما أسماه “تفشي المحسوبية والمحاباة في السياسة العراقية”.
ويقول المراقب العراقي “كل التوقعات تميل إلى أن العبادي هو أضعف الحلقات، فبالرغم من شعوره بالإحراج بسبب عجزه عن القيام بإصلاحات جذرية فإن الرجل لا يجرؤ على إعلان فشله. في المقابل فإن عودة حزب الدعوة إلى تصدر المشهد من خلال البيان الذي أعلنته كتلة دولة القانون لا يعطي صورة حسنة عن مستقبل الحوار بين الحكومة وبين المعتصمين وجلهم من التيار الصدري”.
وعبر عن اعتقاده بأن كل محاولات التهدئة ستبوء بالفشل، لأنها لا تهدف إلا لتمرير الوقت، من أجل أن يفرض التحالف الوطني ثوابته في إعادة إنتاج حكومته القائمة على أساس المحاصصة الحزبية وهو ما يتعارض كليا مع مطلب المعتصمين الرئيسي في إنشاء حكومة من المستقلين.
وكان الصدر يأمل في أن تكون الجمعة فرصة للبروز كزعيم سياسي شعبوي قادر على قيادة الأحداث في العراق، غير أن تمسك العبادي بالمنصب، مستندا على دعم حزب الدعوة والمجلس الأعلى والميليشيات الشيعية، أحبط مشروع الصدر.
ويقول مراقبون في بغداد إن الإجراءات الأمنية التي اتخذها الفريق طالب شغاتي قائد العمليات المشتركة الذي تسلم ملف أمن العاصمة بدلا من عمليات بغداد، والتي تضمنت قطع الطرق والجسور المؤدية إلى المنطقة الخضراء ومنع وسائل الإعلام ومراسلي ومصوري القنوات الفضائية من تغطية الأحداث، أسهمت في تفويت الفرصة على التيار الصدري لقيادة المشهد السياسي.
ووفق التعليقات التي رافقت أحداث الجمعة فإن مقتدى الصدر اضطر إلى التراجع المنظم إزاء الهجمة التي تعرض لها واتهمته مسبقا بإثارة الفوضى ودفع الشيعة إلى الاقتتال في ما بينهم حتى وصلت الاتهامات ضده إلى حد تخوينه شيعيا وتحميله مسؤولية زوال الحكم الشيعي الذي جاء بعد 1400 سنة من الحرمان كما ذكرت وسائل الإعلام والشبكات الإخبارية التابعة لحزب الدعوة وميليشيات بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقية.
وحاولت بعض المواقع والقنوات الممولة من السفارة الإيرانية في بغداد تسريب أنباء مشكوك في صحتها عن مشاركة أنصار المرجع الشيعي العراقي آية الله محمود الصرخي فيها، رغم أن المعلومات الميدانية من داخل الاعتصامات تؤكد أنها اقتصرت على الصدريين ومجموعة صغيرة من الناشطين المدنيين.