منذ 25 عاماً يلتقط ميشال حايك عصا القدر مشيحاً الضباب عن "صور" في عالم لا يراه إلا هو، لا يلبث أن يتحوّل أمام الأعين حقيقة مرة أو فرحة.
اجتاز حايك هذه السنة "يوبيله" الفضي مع التوقعات المبنية على "الصور" التي تظهرها "حاسّة" لا تنام فتصيبه بالشرود أحياناً: "ربّما يظهرني شرودي أنني غريب الأطوار، هو نوع من السّهو الذي ينقلني للحظات الى مطارح ثانية، يجعلني أكون حاضراً وغير حاضر، "هون ومش هون"، أسمع اكثر من بوق وأرى اكثر من صورة في لحظة واحدة، نعم يمكن ان تكون أطواري غريبة، لكن حتى الآن لم يصفني أحد بـ"الأخوت" أو "مش طبيعي"!".
إبن بيت شباب، الذي لقبته الصحافة العالمية بـ"نوستراداموس الشرق"، يتنقّل يومياً بين حفافي قريته المتنية الوادعة بقرميدها الأحمر وحقولها، مستنشقاً "أوكسيجينها" الطبيعي يختزن منه شحنات ثم يطير الى عواصم العالم، من لبنان الى الخليج الى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، محطات ثابتة ومتحركة تطير به الى العالمية، وتكبر دائرة معارفه من الزعماء والأمراء والملوك والرؤساء الذين يستشيرونه يومياً على هاتفه الذي يرنّ كلّ 3 دقائق فيقدّم الجواب نفسه "أحدثك بعد ساعة" وطبعاً ينسى ميشال في زحمة اجتماعاته أن يعاود الاتصال.
عجقة المنجمين والمبصرين الذين ينهمرون يومياً عبر شاشات التلفزيون، وخصوصاً في رأس السنة، لم تستطع أن تهزّ الموقع الذي اجترحه ميشال حايك لنفسه. رصيده توقعات يقدمها سنوياً عبر شاشة تلفزيونية. ينتظره جمهور عريض بين لبنان والعالم العربي، وفي العام التالي يأبى إلا أن يعاد بثها كلها وتظهير ما صحّ منها.
اختار حايك أن يتحدّث عبر "السفير" عن طبيعة عمله مع السياسيين اللبنانيين، ولا سيّما مع تهافت كثر منهم على عالم "الغيب". يقول حايك "بعد أكثر من ٢٥ عاماً من معرفتي ببعض السياسيين، ومن خلال أسئلتهم والإجابات التي تتوفر لدي، يمكنني القول إن التوقعات تلعب دوراً شبه أساسي في الحياة السياسية اللبنانية، وتوجد مجموعة من السياسيين التي باتت تبني جانباً من تطلعاتها وبعض تحركاتها وتوجهاتها استناداً الى التوقعات الموثوقة الى حدّ ما".
تفوق نسبة السياسيين الذين يلجأون الى التوقعات نسبة الـ35 في المئة من أهل السياسة في لبنان، "تحصل الاستشارات سرياً او بشكل شبه سري، يفضّل بعض السياسيين ترك اهتمامهم بالتوقعات طيّ الكتمان خوفاً من ألا يستوعب الإعلام او الجمهور الموضوع فتكون ثرثرة وحكي، ولأن مجتمعنا، بحسب ما أعتقد، لا يزال ينظر بغرابة الى التوقعات ويعتبر اللجوء إليها علامة ضعف او تخلّف".
خطر الاغتيال وسوريا و"حزب الله" والحريري
يلخص حايك أبرز أسئلة السياسيين اللبنانيين في المرحلة الراهنة: هل من خطر يهدّد حياتي أو حياة أفراد عائلتي؟ما مصير النظام في سوريا؟ متى سيعود سعد الحريري الى لبنان؟ ما هو مصير سلاح "حزب الله"؟ هل سيبقى لبنان منقسماً بين فريقي ٨ و١٤ آذار؟
لكن، ما معنى أن يتهافت السياسيون على كشف الغيب؟ يقول حايك: "عندما لا تسمح المعطيات الملموسة للناس برسم مستقبلهم يلجأون الى وسيلة تخبرهم عن الغد الغامض والمجهول، عن الغد الذي يخيفهم، يحب الإنسان ان يعرف لكي يطمئن ويستقر ويحدّد وجهة سيره، جهل الأمور يعني السير في الظلام حيث يمكن الاصطدام بعوائق جمّة تؤذينا وتجعلنا نتعثر ويمكن أن نهوي وننتهي".
عملياً لم يرفض ميشال حايك التعامل مع سياسيين معينين بل اعتذر من بعضهم: "اعتذرت في بضع مرّات إما لأنني لا أملك شيئاً أقوله لهم، او لأنني أدركتُ أن ردّة فعل هذا الشخص ستكون سلبية عليه وعلي ونحن بغنى عن الأمر، او لأنني رأيت أن هذا الشخص غير قادر على استيعاب او قبول او تحمّل ما سأقوله فاعتذرت".
وكيف يمكنه ان يجعل سياسياً أو أميراً أو زعيماً يثق بتوقعاته او يطلبها؟ يجيب: "أنا لا أتصنع شيئاً ولا أغري أحداً، أقول ما أراه وأشعر به، وتكبر الثقة لأن ما أراه يتطابق مع واقعهم أو لأنه يصح في وقت من الأوقات، ومرة تلو مرة تصحّ أقوالي فتتعزّز ثقتهم فيّ ويحصل بيننا تواصل. ليست المسألة مسألة عرض وطلب و"توصيلة".
من السياسيين الذين انكشف اتصاله بهم قبل فترة من اعتقاله النائب والوزير السابق ميشال سماحة، وكان كشف في بداية سنة 2012 الآتي: "شخصية لبنانية معروفة برغم الهالة والحماية نراه في الطريق إلى أبواب التوقيف والتحقيق فالمحاسبة". لا يغادر ميشال حايك ميزة الكتمان التي تظلل حياته، لكنه يوضح لـ"السفير": "لم يتعدّ الاتصال بيني وبين سماحة الاطمئنان على الصحة والأحوال والجوّ العام، وتوافقنا أنه حين عودتي من السفر سوف نحكي سوياً عن لقاء بيننا، ولما عدت من سفري.. كان صار يللي صار".
"الربيع العربي"
من أبرز ما قاله في مطلع العام 2012 عربياً: "الربيع العربي لا يزهر في سوريا قريباً". "مشـــاكل بين المعارضة الداخلية والمعارضة الخارجية ينبثق عنها معارضة جديدة".
وعن الثورة المصرية قال: "كأن ثورة واحدة لم تكف، إنني أرى المصريين يجمعون العدة والحقائب لميدان التحرير من جديد". "لن يكون المشير طنطاوي زاوية في مرآة مصر الجديدة". "الأنبا شنودة يسلم الأمانة".
عن الأردن: "حطب الثورة يتجمع ويتكون في شوارع الأردن". عن السعودية: "أرى القدر يفتح نوافذ السعوديين مرة جديدة على أخبار الحزن".
أما أبرز توقعاته اللبنانية في 2012 فكانت:
- "أرى صورة أجد فيها الرئيس نجيب ميقاتي يحاول في يد منع الانقلاب في حكومته وفي اليد الأخرى يحاول إطفاء كتلة الناس ويختلط فيها الأمن والصحة والسياسة".
- "معلومات فرع المعلومات شرارة لتحركات غير اعتيادية وفي أفق أشرف ريفي علامات مقلقة".
- يتغير الهدف وتتغير الضحية لكن كل المعالم تتشابه بمحاولة اغتيال شخصية تهز لبنان والمنطقة، اللافت للانتباه فيها انها ستكون على غرار اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
يحزن ميشال حايك حين يصحّ توقع أمر سلبي له. الجميع يذكر توقعاته بـ"بشيء أسود" لثلاث شخصيات: رفيق الحريري، جبران تويني واللواء وسام الحسن، بحيث صار الثلاثة شهداء يقول: "ما أحسست به كان أكثر من شعور، وأردت البوح به لكي أرتاح من هذا الثقل وأزيحه عن صدري، بهذه الحوادث الثلاثة تحديداً زعلت من نفسي ومن الحاسة التي رأت هذه الصور ومن الإعلام الذي أعلن الحدث ومن الناس الذين اتصلوا وقالوا لي: "صبتها يا ميشال ظبطت معك".
وماذا سيفعل إن فقد الحاسّة التي تعطيه هذه التوقعات؟ يقول: "أنا لا أتحدى الحاسة لذا لم اشعر ولا مرة أنها خذلتني، الحاسة لا تشتغل بالإكراه، هي تعطي قدر ما تريد، لا شروط بيني وبينها ولا بيني وبين شخص أتوقع له". يضيف: "هلق يمكن أن تتوقف... لكنها باقية طالما أنني حيّ ولا تتوقف إلا اذا "خرفت" او اصبت بمرض "الزهايمر" او سواه من الأمراض الشبيهة. ببساطة إن فقدت عقلي أفقد هذه الحاسة".
طموح ميشال حايك يتعدّى هذا العالم المرئي: "أطمح لاكتشاف المزيد من أسرار الكون وحقائق الوجود والبرامج الكونية، ولمزيد من القدرة على التركيز وتطوير الحاسّة، وهذا كلّه مرهون بالقدرة، ولا تكفي الإرادة في هذا المجال، بل يلزمنا الكثير من القوّة والجهد".