ما الذي جعل وفداً حوثياً يعبر الحدود الى المملكة العربية السعودية للتفاوض في شأن مواضيع غير واضحة، اقلّه ظاهراً؟
كان من المهمّ بالنسبة الى الحوثيين (انصار الله) تسريب الخبر عن عبور الوفد الى داخل المملكة من خلال معبر برّي. ارادوا تأكيد ان لديهم ما يعرضونه على السعودية للخروج من ازمتهم.
هناك رغبة لدى الحوثيين في الاعلان عن انّهم لا يواجهون طريقاً مسدوداً وذلك بعدما اوصلوا اليمن الى ما وصل اليه، اي الى طريق مسدود!
كان ملفتاً الصمت السعودي حيال مجيء الوفد الحوثي. كذلك، كان ملفتا، من المعلومات التي تسربّت، ان الجانب السعودي حصر الاتصالات مع الوفد بجهة امنية معيّنة ولكن في مستوى معقول. من الواضح وجود رغبة سعودية في وضع الاتصالات بالحوثيين في اطار معيّن وواضح لمعرفة ما الذي يريدونه فعلا وما حقيقة نيّاتهم.
لا يمكن فصل رغبة «انصار الله» في الانفتاح على السعودية عن التطورات المتسارعة في اليمن والتي كان آخر تعبير عنها حصول اختراقات لقوات الشرعية في تعز.
اضافة الى ذلك، هناك حصار لصنعاء ترافقه رغبة لدى عناصر قبلية كثيرة في الابتعاد عن الحوثيين. فاليمني يمكن ان تستأجره، لكنّك لا تستطيع ان تشتريه. وهذا ما غاب عن ايران وعن ممثليها في اليمن.
في الواقع، لعبت العناصر القبلية دوراً كبيراً صيف العام 2014 في تغيير التوازنات في المناطق الشمالية من اليمن.
وقتذاك، تمكّن الحوثيون من السيطرة على كلّ محافظة عمران وطرد آل الاحمر، زعماء حاشد منها. حصل ذلك بفضل انضمام الآلاف من رجال القبائل اليهم. استطاع الحوثيون لاحقا القضاء على اللواء 310 الذي كان بقيادة العميد حميد القشيبي، وهو من حاشد. كان هذا اللواء، المحسوب على الاخوان المسلمين وعلى الفريق علي محسن الاحمر الذي عيّن اخيرا نائبا للقائد العام للقوّات المسلّحة، من افضل الوية الجيش اليمني. وكانت لديه اسلحة متطورة بينها دبابات روسية حديثة.
فتح سقوط اللواء 310 ابواب صنعاء امام الحوثيين، ذلك ان معسكراته كانت تحتل مواقع استراتيجية تحمي العاصمة. تحققت كلّ تلك الانتصارات لسببين. يعود السبب الاول الى عدم رغبة القوات التابعة للجيش اليمني في التصدي لهم. ويعود السبب الآخر الى الدعم الذي وفرّه لهم رجال القبائل. فالذين هاجموا معسكرات اللواء310، كانوا في معظمهم من بكيل، كبرى القبائل اليمنية، كما كانت هناك عناصر من حاشد التي فقدت تماسكها منذ وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر في اواخر العام 2007.
بعد سيطرتهم على صنعاء في الواحد والعشرين من ايلول ـ سبتمبر 2014 والتسهيلات التي حصلوا عليها من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، زادت شهية الحوثيين. اعتبروا نفسهم السلطة في اليمن، بعد عقد اتفاق السلم والشراكة الذي باركته الامم المتحدة وبعد وضعهم الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي ونائبه خالد بحاح الذي هو في الوقت ذاته رئيس الوزراء، في الاقامة الجبرية. اضافة الى ذلك، سيطروا على كلّ المواقع الحكومية والمؤسسات الرسمية، بما في ذلك البنك المركزي.
يدفع الحوثيون الآن ثمن شهيتهم الزائدة الى السلطة ورغبتهم في السيطرة على اليمن كلّه وتحويله مستعمرة ايرانية. اكتشفوا مع مرور الوقت، خصوصا بعد «عاصفة الحزم» انّ المشروع الايراني الذي ينفّذونه في اليمن ليس قابلا للتحقيق. كانت استعادة الشرعية لعدن في تموز ـ يوليو 2015، بفضل الدعم العربي، نقطة تحوّل. جاء اختراق تعز ليؤكّد ان «عاصفة الحزم» لن تنتهي الّا بازالة الخطر الايراني الذي جسّده الحوثيون. فوق ذلك كلّه، بدأ «انصار الله» يتنبّهون الى ان خروجهم من صنعاء اكثر من وارد بعدما بدأ قبليون من بكيل وحاشد ينفضون عنهم.
زادت عزلة «انصار الله». يؤكّد ذلك ما ورد في الخطابات الاخيرة للسيّد حسن نصرالله الامين العام لـ»حزب الله» في لبنان. تبيّن ان نصرالله الذي يشنّ الحملة تلو الاخرى على المملكة العربية السعودية، غير آبه بمصالح لبنان واللبنانيين، مكلّف الملف اليمني من قبل ايران. كان نصرالله يصيح من الالم اكثر من اي شيء آخر.
من المفيد ان يسعى وفد من الحوثيين الى الاتصال بالمملكة العربية السعودية. من المفيد ايضا ان يؤكّد هذا الوفد رغبة اليمنيين في الجانب الآخر من الحدود في التزام الهدوء وان لا تكون الاراضي اليمنية منطلقاً لاي اعمال عدوانية تستهدف المملكة. ما يمكن ان يكون مفيداً اكثر تخلي الحوثيين عن اوهامهم. ليس هناك من يستطيع تجاهل انّ مناطقهم في صعدة تعرّضت لظلم تاريخي منذ اعلان الجمهورية في اليمن في العام 1962. بقيت صعدة خارج الجمهورية ولم تستفد من اي تنمية، حتى بعد المصالحة التي جرت بين الملكيين والجمهوريين وانسحاب القوات المصرية من اليمن.
لا يكون تخلي الحوثيين عن اوهامهم الّا باعلان زعيمهم عبدالملك الحوثي انّه راغب في ان يكون طرفاً سياسياً في البلد يحق له ما يحقّ لغيره من اطراف سياسية اخرى تمثّل مجموعة او منطقة في اليمن. ليس كافيا ان يصدر عن هذا القيادي الحوثي او ذاك كلاما يطلب من ايران النزول عن ظهور اليمنيين. ثمّة حاجة الى كلام جدّي يصدر عن عبدالملك الحوثي نفسه يشير الى انّه استوعب ان النزهة انتهت وان الكلام عن «شرعية ثورية» لا قيمة له.
يظلّ الحوثيون مكوّناً اساسياً من مكونات اليمن الذي يبحث عن صيغة للمستقبل ترضي كلّ اليمنيين او معظمهم. من هذا المنطلق، يمكن للحوثيين ان يتمثّلوا في سلطة جديدة تقوم على اللامركزية الموسّعة او على نظام فيديرالي او ما شابه ذلك. لكنّ هذا شيء، وان يلعب «انصار الله» الدور الذي يلعبه «حزب الله»، المهيمن على المؤسسات الرسمية في لبنان، شيء آخر.
بدأ اليمنيون، خصوصاً في المحافظات الشمالية، الانفكاك عن الحوثيين. في النهاية يحتاج اليمني الى من يطعمه ومن يؤمن له مستقبل اولاده وان يوفّر له الامل.
لم يمتلك الحوثيون يوما اي مشروع سياسي او اقتصادي او تنموي. يُفترض بهم في المرحلة الراهنة استتباع الوفد الذي ارسلوه الى السعودية بمواقف جديدة تعكس رغبة حقيقية في تغيير نهجهم، خصوصا ان لا تراجع عن «عاصفة الحزم» باي شكل من الاشكال.
هل يقدم عبدالملك الحوثي على هذه الخطوة ويعترف بأنّ النزهة التي قام بها في اليمن انتهت، ام يبقى اسير الاوهام الايرانية التي زرعها له آخرون في رأسه؟
هل يعترف الحوثي بأن النزهة انتهت؟!
هل يعترف الحوثي بأن النزهة...لبنان الجديد
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
المستقبل
|
عدد القراء:
1323
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro