تمثّل المرأة نصف المجتمع، فهي الزوجة والأخت والابنة... ولعلّ أهم الأدوار التي تؤدّيها هو دور الأمومة، ومساهمتها الأساسية في التكوين النفسي والنفسي- الإجتماعي لأطفالها. وبمناسبة عيدها، نهنّىء كلّ أم على دورها المبارك في عائلتها وفي المجتمع.
الأم هي المدرسة الأولى في حياة أطفالها، لأنها تتولّى إعدادهم وتنشئتهم، وتتشاطَر هذه المهام مع الأب. ويقع على عاتقها وعلى عاتق الأب أكبر المسؤوليات، ومن بينها توجيه أطفالهما.
كما أنّ الحنان والعاطفة والحبّ من أهم المشاعر التي يمكن أن يتقاسمها الوالدين مع أولادهم.
دور الأم في العائلة علاقة الطفل بأمّه تبدأ قبل الولادة، وثبت علميّاً أنّ الجنين يفهم ويتعلّم وهو في بطن أمه، فالموسيقى الهادئة الناعمة مثلاً تجعله هادئاً ومسترخياً في الرحم. وبعد ولادته، يشعر الطفل بأمّه ويتعرّف إليها من خلال رائحتها ونبرة صوتها خلال تحدّثها معه.
ولا تساعد الأم فقط في تكوين الطفل فيزيولوجياً خلال فترة الحمل، بل تُسهم أيضاً بشكل فعّال في تكوين شخصيته وفي تربيته بالمشاركة مع الأب. فتربية الأطفال مسؤولية مشتركة بين الأم والأب.
في المرحلة الأولى من حياته، يكون الطفل كورقة بيضاء، و»يملأ» الأب والأم هذه الورقة.
يكتسب الطفل معظم أنماطه السلوكية وطباعه وتصرّفاته من أهله، وخصوصاً من الأم، التي ترافقه ليلاً ونهاراً، وتسدّ حاجاته بشكل سريع لناحية الغذاء والنظافة والحنان والأمان.
ويتعلّم الطفل ويكتشف الحياة من خلال كلام أمه واللعب معها.
لاحقاً، يكتسب الطفل معطيات جديدة من أمّه، وأهمها اللغة، مدخله إلى العالم الخارجي. فيتعرّف إلى أشخاص جدد ويكوّن صداقات ويمرّ بتجارب شخصية تساعد في نموّه المعرفي والذكائي. كلّ هذا بفضل وجود الأم بقربه ومن خلال تعاليمها وملاحظاتها. وعادةً، تحرص الأمّ على نموّ طفلها العقلي خلال الأشهر الستة الأولى من حياته.
ويؤكّد علم النفس أنّ الولد يكون اجتماعياً بفضل أمه التي تكون كذلك، فهي التي تساعده منذ الصغر على التكيّف الاجتماعي من خلال التواصل مع الآخرين وقبولهم والتعَوّد على طريقة معاملتهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ الطفل يتأثّر بمشاهدة الواقع الذي يعيش فيه، فهو ابن بيئته.
وكما تتمّ معاملته سيعامِل الآخرين.
وتؤدي الأم دور الترابط الأسَري، خصوصاً في الأسَر التي تعاني بعض المشاكل الإجتماعية، حيث تحاول إيجاد حلول، حتى لَو كانت موقّتة، ليبقى التلاحم بين مختلف أفراد العائلة، كما تُسهم في الحفاظ على التعاطف والتعاون والتضحية بين الاخوة.
إكتساب الأخلاق لا يكتسب الطفل اللغة والمعرفة والذكاء فقط من الوالدين، بل يتعلّم الأخلاق منهما أيضاً.
فإذا لم يسمع الطفل مثلاً سوى الكلام المهذّب واللائق من أمّه، نراه يتربّى كذلك، ما يؤثّر إيجاباً في توازنه النفسي. أمّا الطفل الذي يولد في عائلة تتميّز بتقلّبات مزاجية، فسيُصاب عاجلاً أم آجلاً بنوع من عدم الاستقرار النفسي.
ويمكن أن تغرس الأم الأخلاق الحميدة في نفسية طفلها عن طريق اللعب.
فحين يلعب طفلها مع ابن الجيران، مثلاً، يمكنها أن تفسّر له أهمية مشاركة ألعابه مع الآخرين، خصوصاً أنّ الطفل يحاول امتلاك كل شيء والاحتفاظ به.
وعلى الأم أن تكون واعية لهذه المرحلة التي يمرّ بها كلّ الأطفال، وبفضل التربية وطبعاً «حَدسها» تقدّم الأم لطفلها الأفضل.
وتتكوّن أخلاق الطفل بشكل كبير في السنوات الأولى من حياته بفضل الأم، ثم تتعمّق بعد ذلك من خلال الممارسات المتكرّرة. كما أنّ الاحتكاك الاجتماعي بالآخرين والدخول إلى المدرسة يساعدان الطفل في تكوين شخصيته.
الأم العصرية وعائلتها يختلف دور الأم التقليدية حالياً لأنها أصبحت عصرية، حيث زادت مهامها في المجتمع وكسبت صفات جديدة، ومنها الأم العاملة.
في الكثير من العائلات، تتواجد الأم في العمل أكثر من تواجدها في البيت.
وفي هذه الحال، لا يمكن أن نعتبر أنّ الأم العاملة ليست أمّاً حقيقية، إذ يمكن أن تكون مثالية إذا تمكنّت من إرساء توازن بين أوقات العمل والمنزل.
فعلى رغم الالتزامات المنزلية من شراء للطعام وطهيه، وتنظيف البيت، وغسل الملابس وكيّها، وتلبية المطالب والاحتياجات المنزلية للزوج والأولاد، تكرّس غالبية الأمهات العاملات أوقاتهنّ المتبقّية للحديث مع أطفالهنّ أو الاستماع إليهم. وهنّ يدركن جيداً أهمية إيجاد الوقت للتواصل مع الأبناء والحوار والتشاور معهم بأسلوب صحيح يعزّز العلاقة بين مختلف أعضاء العائلة.