يعود ظهور المقاتلين الشيعة في سوريا إلى أواخر سنة 2011 عندما اعتقل الثوار مقاتلين ينتمون إلى جيش المهدي الذي يتزعمه الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر. وتدريجيا تحول حضور الفصائل الشيعية في سوريا إلى ظاهرة كبيرة، وتعالت الدعوات عبر وسائل الإعلام الشيعية للتوجه للقتال في سوريا حماية للمراقد المقدسة.
وتذكر بعض الدراسات أن إيران وضعت دعاية كبيرة لحشد المقاتلين الشيعة للالتحاق بساحات القتال في سوريا، هذا فضلا عن الإغراءات المادية التي دفعت بسخاء للمرتزقة الذين قبلوا الالتحاق بهذه الجبهة، حتى أن بعض التقارير ذكرت أن ميليشيات الحشد الشعبي العراقية أصبحت تخير القتال في سوريا نظرا لالتزام طهران بدفع أجور كبيرة فضلا عن الرعاية الصحية وغيرها.
وخلال سنة، منتصف عام 2012 حتى منتصف عام 2013، كانت أعداد الميليشيات التي استجابت لهذا النداء كبيرة جدا، بلغت حسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أكثر من ثلاثين ألف عنصر غالبيتهم من الجنسية العراقية التي تقاتل إلى جانب النظام على أساس طائفي، ولكن تم في الأثناء تأكيد وجود مقاتلين من جنسيات مختلفة، على غرار الأفغانية والباكستانية واليمنية وحتى جنسيات أفريقية.
وفي البداية عملت إيران على تنظيم نشاط هذه الميليشيات وحاولت إدراجها ضمن شبكة “لواء أبوالفضل العباس، ثم أوكلت مهمة إدارة نشاطها العسكري إلى الجنرال الإيراني قاسم سليماني، بمساعدة ضباط إيرانيين بالمقام الأول، وبمشاركة ضباط سوريين منتدبين من أجهزة المخابرات المختلفة، وإدارة استطلاع الجيش، وضباط من هيئة العمليات.
ومع بداية سنة 2014 تمكنت طهران من وضع هذه الميليشيات في إطار أكثر تنظيما يساهم في مزيد تثبيت أقدامها على الأراضي السورية فكان تأسيس حزب الله السوري كامتداد لمشروع حزب الله اللبناني.
حزب الله السوري أعلنت إيران في مايو 2015 على لسان القائد السابق في الحرس الثوري حسين همداني نجاحها في تكوين “حزب الله السوري”، حيث قال في تصريحات، حذفت بعد دقائق من نشرها على وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، “مستعدون لإرسال 130 ألفا من عناصر الباسيج إلى سوريا، لتشكيل حزب الله السوري”، مضيفا “بعون الله استطاع الإيرانيون تكوين حزب الله الثاني في سوريا”.
وذكر بعض الناشطين السوريين أن عدد أفراد الحزب في سوريا تجاوز 15 ألف مقاتل، يتركزون على الجبهات الحساسة لا سيما القنيطرة وفي مناطق توزع الشيعة.
وحسب تصريحات المعارضة السورية، فإن حزب الله السوري، هو نسخة جديدة عن حزب الله اللبناني، يمتلك نفس الأيديولوجيا والأهداف، كما يتبع ذات طرق العمل والتنظيم التي يتبعها حزب اللبناني الذي لا يخفي تبعيته لإيران قبل ولائه وانتمائه للبنان.
وهذه المعلومات تلتقي مع تصريحات همداني، الذي لم يخف أن “حزب الله السوري” سيكون ذراعا عسكرية ضاربة تابعة لإيران مباشرة، كما تلتقي مع ما ذكره الجنرال حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني في ديسمبر الماضي عندما تحدث عن وجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإيرانية في العراق وسوريا واليمن يبلغ حجمها أضعاف حزب الله اللبناني.
ويقول فيليب سميث في دراسة لمعهد واشنطن للدراسات إنه في بداية عام 2014، اتّخذت ميليشياتٌ سورية مختلفة اسم “حزب الله في سوريا”، وساهم الوجود الجغرافي والعددي لـ “شيعة الإثني عشرية” في البلاد بشكلٍ كبير في نموّ هذه الشبكة وتوسّعها.
و”شيعة الإثني عشرية” هي فرع من الإسلام يمارس من قبل النظام الإيراني وأتباعه اللبنانيين والعراقيين. ولا يشكّل “شيعة الإثني عشرية” في سوريا سوى 1 – 2 في المـئة من السكان، إلّا أنّهم مركزون في مناطق استراتيجية هامة استُخدمت لاعتراض خطوط التواصل والإمدادات التابعة للثوار بالقرب من حلب، والحدود اللبنانية السورية، وعلى طول الحدود الأردنية السورية.
وقد أصبحت بلدتَا نبل والزهراء الشيعيتان المواليتان لنظام الأسد في ريف حلب محور جهود الميليشيات الشيعية في سوريا نظرا لتطويقهما الجزئي من قبل الجهاديين السنّة والثوار منذ عام 2013. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تمّ إرسال عدد من الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية المتمرّسة إلى البلدتَين حيث ساهمت في إنشاء ميليشيات شيعية محلية. وتمكّن هؤلاء المقاتلين الأجانب، بمساعدةٍ من “منظمة بدر” و”كتائب حزب الله” العراقية، و”حزب الله” اللبناني من المساهمة في إنشاء “فوج الإمام الحجة” المحلي. وقد خاضت هذه الجماعة عملياتٍ قتالية قرب حلب وفي مناطق أخرى من ريف حلب.
قاعدة الجولان قامت إيران ببناء قاعدة الحزب الجديد في الجولان السوري، وعلى الأطراف الشرقية لمنطقة “شبعا” وفي المناطق التي يشغلها الآن حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني في ريف القنيطرة. وهي خطة يرى المحللون أنها تهدف إلى تأسيس كيان عسكري ممثل في حزب سياسي شبيه بوضع حزب الله اللبناني، وتسهيل تمدده سياسيا نحو دمشق، وعليه تقوم إيران بتعطيل الحياة السياسية مستقبلا إلا بما يستجيب لمصالحها وأهدافها المرسومة في استنساخ لما آلت إليه الأوضاع لبنانيا بسبب تعنت حزب الله الذي ما يزال يطرح خيارات طهران دون مراعاة لمصلحة لبنان.
علما وأن كل هذه المخططات تتنزل حسب المراقبين في إطار المشروع الأكبر لإيران الرامي إلى إحكام قبضتها على منطقة الشرق الأوسط لا سيما وقد تمكنت إلى حد الآن من وضع قدم لها في لبنان وفي العراق، فيما تسارع الخطى في سوريا لاستكمال هذا البرنامج، فضلا عن حربها المتواصلة في اليمن من أجل هذا الهدف.
وتسارع طهران الخطى لإخراج حزب الله السوري للعلن في أسرع وقت ممكن وفي ثوب حزب سياسي، خشية أن تفرض موسكو وواشنطن تسوية على أسس اتفاق جنيف 1، والتي من ضمن بنودها دعوة الميليشيات الأجنبية إلى مغادرة سوريا. وبالتالي فإن هذا الثوب الجديد قد يمنحها الصيغة القانونية ويضمن وجود ذراع عسكرية لها في المنطقة دون أن تقع تحت طائلة هذه التسوية التي من المزمع طرحها في أي وقت، لا سيما أمام تقديم الجنسية السورية لهؤلاء المقاتلين بكل يسر.
لكن في المقابل يرى البعض أن مشروع حزب الله السوري قد يكون البديل الإيراني لنظيره اللبناني لا سيما في ظل التضييقات الأخيرة على حزب الله، على غرار تصنيفه كتنظيم إرهابي من قبل أغلب الدول العربية، إلى جانب تراجع شعبيته لبنانيا وعربيا وفقدانه لصورة التنظيم المقاوم التي كانت الصفة التي جعلته محل متابعة ودعم من الشعوب العربية لسنوات عديدة، بمجرد انخراطه في الحرب السورية ومشاركته في الكثير من الجرائم التي ارتكبت في حق المدنيين السوريين.
وقد أصدرت مؤسسة “بيو” الأميركية لأبحاث الأديان والحياة العامة، نتائج استطلاع يظهر ارتفاعا حادا في نسبة الكراهية لتنظيم حزب الله اللبناني في صفوف الشعوب العربية والإسلامية. كما نشرت مجلة “سلايت” الفرنسية تقريرا حول دور حزب الله في الصراع السوري، وقالت إن هذا الحزب شهد تراجعا كبيرا في شعبيته، سواء في لبنان أو الشرق الأوسط، بسبب وقوفه ضد الثورة السورية والمشكلات التي جلبها للبنان والخسائر التي تكبدها.
وقالت المجلة، في تقريرها إن حزب الله يشهد تغيرا في موقعه في المشهد السياسي اللبناني والإقليمي في الفترة الأخيرة، حيث أن 70 في المئة من سكان المنطقة، والعديد من الحلفاء السابقين لحزب الله مثل حركة حماس، لم يعودوا ينظرون إلى هذا الحزب على أنه نموذج للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن تحول إلى ميليشيا شيعية تتطابق مع جيش المهدي في العراق وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، حيث اجتمعوا كلهم على قمع تطلعات السنة في سوريا والعراق. وعليه تحاول طهران، حسب المراقبين، أن تستبق إمكانيات سقوط حزب الله أو بالأحرى مزيد تراجعه في ظل المزيد من الضغوطات المنتظر أن يلاقيها من طرف اللبنانيين أنفسهم، حتى لا تتأثر في حال ضعف حليفها في لبنان عبر تهيئة نسخة مماثلة في مساحة جغرافية قريبة منه قد تكون في مراحل لاحقة بمثابة الدعم حتى لحزب الله اللبناني.
حزب الله السوري مشروع ميت تحاول إيران وحلفاؤها الترويج لكون حزب الله السوري هو مولود شيعي متجانس، وتؤكد أنه سيكون بمثابة التنظيم الأمثل الذي يمكنها الاعتماد عليه في تكريس برامجها على المديين القصير والطويل. وتحاول التخفيف من كل احتمالات حدوث انشقاقات أو خلافات قد تطرأ بفعل اختلاف الجنسيات المنضوية تحت لوائه.
لكن عمليا يبدو أن نجاح ميليشيا حزب الله السوري طرح صعب لا سيما في حال التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة الراهنة في سوريا. فالأكيد أن السوريين بمختلف أطيافهم، عدا جماعة النظام، لن يقبلوا بأي حال من الأحوال ببقاء هيكل يتكون في جوهره وفي قياداته من أطراف أجنبية، وأخرى سورية تدين بالولاء لغير الوطن، ولن يسمحوا بتكرار تجربة حزب الله اللبناني في سوريا.
كما أن رهان طهران على الميليشيات والمجموعات المسلحة المارقة على القانون، ومحاولة تطويعها خدمة لمصالحها هو رهان عبثي ولها في ذلك نموذج الحشد الشعبي في العراق الذي رغم محاولاته التسويق لكونه فصيلا موجودا بهدف الدفاع عن البلاد من بطش تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن هذه اللعبة التي مررت بقوة السلاح في طريقها إلى الحل، بمجرد أن بدأ الجيش والقوات الأمنية يسترجعان قوتهما.
بل إن الكثير من الجماعات الشيعية أصبحت تدعو إلى حلها، وعدم إدراجها كمكون رسمي في الأمن أو الجيش، فضلا عن دعوات الولايات المتحدة الأميركية المتتالية وضغطها على الحكومة العراقية من أجل فض هذه الميليشيات. هذا دون أن ننسى ما يتم تسريبه بين الفينة والأخرى عن الانقسامات الحاصلة صلب هذه المجموعات من أجل النفوذ وغيرها من الأسباب، رغم أن الشباب المنتمين إلى الحشد الشعبي هم أساسا عراقيو الجنسية وينتمون إلى نفس البلد، فما بالك بميليشيات متعددة الجنسيات والعقليات.
من جهة أخرى لا بد أن تنتبه إيران إلى الوضع الذي بات عليه حليفها الاستراتيجي حزب الله اللبناني اليوم، وخاصة التضييقات المتزايدة التي قد تحمل اللبنانيين إلى رفع أصواتهم أكثر من أجل حله بعد أن فقد مصداقيته في صفوفهم. وهذه النماذج وغيرها تجتمع في فكرة مفادها أن الميليشيات المسلحة في أي بلد عادة ما تنتهي إلى الحل، لأنه في نهاية المطاف ومهما طال أمد العنف والفوضى فإن سيادة القانون والنظام ستكون هي المعيار الوحيد وأن لغة السلاح والقوة دائما تنتهي بالأفول.
صحيفة العرب