ضج لبنان بالفضيحة الكبرى التي طالته الاسبوع الماضي بوجود محطات غير شرعية للتخابر الدولي والانترنت التي تقوم بتمرير الإتصالات الدولية وحركة معلومات الإنترنت ونقل المعلومات، من وإلى لبنان، عبر بوابات ومسارات وأنظمة خارجة عن معرفة وعلم ومراقبة السلطات اللبنانية المعنية على إختلاف مهامها وأنواعها، ما استدعى لجنة الاعلام والاتصالات النيابية الى ادراج هذا الموضوع كبند وحيد الاسبوع المقبل على جدول اعمالها وتشديد رئيس مجلس النواب نبيه بري على ضرورة متابعة فضيحة الانترنت التي لا تقف عند حدود الخسائر المادية للدولة التي تتجاوز النصف مليار دولار، بل تمس سيادة لبنان وأمنه، خصوصا لجهة وجود شركات اسرائيلية على خط هذا الاعتداء الخطير على لبنان واللبنانيين.

وخطورة هذا الموضوع حسب مصادر معنية بالملف يأتي بالمدة الزمنية التي مرت على تركيب التجهيزات والمعدات الممنوع دخولها الى لبنان اصلا الا بعد موافقة مديرية الاستثمار الداخلي في وزارة الاتصالات وعبرها، وهي الوزارة المعنية بوضع التقرير المفصل حول ماهية ووضعية وطرق واسباب استعمال هذه المعدات.

وتركز التحقيقات مع المرتكبين المخالفين حول الجهة التي ساهمت بادخال مثل هذه المعدات وعبر اي مرفق فضلا عن مضمون الإتصالات والمعلومات المنقولة لمخاطر وقوعها في أياد عدوة للبنان أو لدى جهات راغبة في إلحاق الضرر فيه، فضلا عن تهديد للأمن الوطني، ولاسيما أن المعلومات المتوافرة تشير إلى ضلوع شركات إسرائيلية في تزويد محطات التهريب بإحتياجاتها، والأخطر ان هذه المحطات تتولى تزويد مقرات ومراكز رسمية حساسة بخدمات الإنترنت، ومجانا في غالب الأحيان.

وفي معلومات «المستقبل» ان هذه الشركات المخالفة كانت تبيع الخط الدولي E1 بسعر شهري لا يتجاوز 15 دولارا اميركيا شهريا، وهذا السعر متدن جدا جدا، قياسا لاسعار الكلفة المعروفة لدى المصنعين، وللاسعار المعتمدة في الاسواق العالمية، وايضا قياسا للسعر المعتمد لدى وزارة الاتصالات اللبنانية وهو 25 دولارا شهريا، ما حدا المسؤولين في قطاع الاتصالات الرسمي على التحقق ووضع التصورات لاسباب هذا التدني، وقيام القضاء المختص بالتحقيق مع اصحاب هذه المحطات غير الشرعية حول بيع هذه الخدمات بالاسعار المتدنية يعني انها حاصلة عليها بالمجان او شبه المجان، فمن هنا تؤكد المعلومات ان السلطات القضائية المختصة بدأت التحقيقات مع الشخصين اللذين تم توقيفهما في هذا الملف، وتعمل هذه الجهات على معرفة من هي الجهة الخارجية المستفيدة جدا وتقدم خدمة من هذا النوع بالمجان لمجموعة من الاشخاص لا يبغون الا الربح، وما اذا كان هناك من علاقة بين اطراف وفرقاء محطة الباروك اللذين تم توقيفهما في العام 2009 واحيلا الى القضاء العسكري والافراج عنهما بسحر ساحر ( ع. ل وهـ. ت)، وبعض المرتكبين في محطات اخرى مثل ( ن.ح- و.ح- ر.س)

وقال مصدر فني واكب تفاصيل الملف «ان السعة الإجمالية المقدرة للمعابر الدولية غير الشرعية بلغت حسب المعلومات الاولية 40 جيغابيت بالثانية تقريبا، أي ما يعادل 600 الف خط هاتفي دولي، ما عرض لبنان لخسارة مالية، تبلغ بالنظر للمعدات التي ضبطها الفريق الفني لوزارة الاتصالات وهيئة اوجيرو ما يعادل خمسة ملايين دولار شهريا. ولا توجد حاليا أية شركة خاصة لبنانية أو أجنبية حاصلة على ترخيص يسمح لها بذلك على الأراضي اللبنانية».

وشككت المصادر في ضبط جميع التجهيزات والمعدات في المواقع التي تمت مداهمتها، اذ تشير المعلومات الى ان بعض المخالفين استطاعوا سحب بعض التجهيزات الهامة قبل المداهمات.

لكن اللافت للانتباه كان في الطريقة التي اتبعت عند دخول وفد فني من هيئة اوجيرو ووزارة الاتصالات لجهة تعرض الفرق الفنية التابعة لوزارة الاتصالات وهيئة اوجيرو في منتجع الزعرور الى ترهيب من قبل ما يفوق على 30 مسلحا يحملون رشاشات اوتوماتيكية تهجموا على الفريق الفني وكالوا له التهديدات والشتائم.

وفي المعلومات ان ما تم ضبطه في منطقة عيون السيمان العائدة ل (ع. ل) والمعدات المتبقية في مركز الزعرور يؤكد انه كان يوجد محطة انترنت غير شرعية تستمد الانترنت من خارج لبنان اي من قبرص وتم تفكيكها بعد الاعلان عن الحملة واخفاء كوابل متعلقة بالمحطة وهي من نوع: Power supply PB-1000-48.

ويشير مصدر واسع الاطلاع على الملف الى ان وزير الاتصالات بطرس حرب ذهل لحجم الارتكاب معتبرا ان «الناظر إلى ضخامة المعدات المضبوطة، وحداثة تصنيعها، وقدراتها التقنية العالية، وتعقيدات خرائطها، وتعقيدات الشبكات اللاسلكية والسلكية العائدة لها، المحلية والدولية، ودقة المنشآت العائدة لها، ومصادر الطاقة البديلة المؤمنة لها (طاقة شمسية، أو طاقة هوائية)، يدرك أننا أمام مجموعات مقتدرة وعالية الإمكانيات، ويدرك أننا أمام منظومة معقدة ومتشابكة من الأشخاص والقدرات، وأمام شبكة من المجرمين تهدف إلى إنشاء شبكات موازية، ورديفة لشبكة الدولة، بكل ما تعني الكلمة. كما يدرك أننا أمام منظومة أخطبوطية مترامية الأطراف والقدرات، استطاعت إيصال تجهيزات تقنية ثقيلة إلى قمم بعيدة وشاهقة في سلسلة جبال لبنان الغربية، وبناء منشآت حديدية واسمنتية في مناطق لا تصل إليها الطرق المعبدة، ولا حتى الطرق الترابية، ولا تصل إليها التجهيزات والمواد إلا سيرا على الأقدام أو على ظهور الدواب، ما يشير إلى أننا أمام منظومة قادرة على تعطيل دور الأجهزة الأمنية في الرقابة، لأنها استطاعت إدخال وإيصال وتركيب محطات أرضية وصحون إتصالات بأقطار تراوح بين 2,5 و3 أمتار، دون أن يسألها أحد عن هويتها والتراخيص القانونية التي تمنحها حق زرع آلياتها على قمم جبال لبنان، ما يطرح أكثر من تساؤل ويثير أكثر من إستغراب».