لست واثقًا أنّ كلماتي التي سوف أخاطبك فيها بهذه المقالة ستصل إليك، ولكنها محاولة لا أجد بدًّا من كتاباتها على قاعدة لعل وعسى.
أنا أعرف كما الجميع، بأن القرار النهائي الذي وفقه يأخذ حزب الله التوجه إلى جبهات القتال أينما أمرت وارتأيت إنّما يكون بما تأمر أنت وبما ترى أنت، وطبعاً القرار يكون مبني وفق المعطيات الشرعية المتأتية حصرًا بما يصل بين يديك من تقارير ومعلومات وعلى ضوئها تصيغون الحكم لما فيه مصلحة وبما تشخصون أنّه يبعد مفسدة.
ونحن يا سماحة السيد نعرف أنّك لم ولن تدعي يومًا أنّك من المعصومين الذين لا يخطئون، لأنّ المعصومين بحسب مذهبنا المبارك إنّما ينحصر فقط بالنبي وأهل بيته فقط لا غير، ونعرف جيدًا أنّ أمثالكم لا يتورعون للحظة بالتراجع والإستغفار عن أيّ قرار أو فتوى يمكن أن تكون قد بنيت على مقدمات خاطئة ومعطيات غير سليمة أو بناءً على تقديرات وآراء وصلت إلى حضرتكم وبانّ بعد ذلك عدم صوابيتها.
سماحة الإمام، وبعد مرور خمس سنوات عجاف على الأحداث في سوريا الحبيبة، ذهب ضحيتها الاف من الأبرياء والمدنيين ودمرت فيها الدور والمعابد والبنى التحتية وارتكبت أبشع أنواع المجازر بحق البشر منذ الحرب العالمية الثانية، وبكل أسف فإنّ التاريخ سوف يكتب بأنّ الشيعة وبقرار من سماحتكم قد كانو طرفًا أساسيًا بما حلّ على الشعب السوري العزيز من مقتلة عظيمة، ولكن وبكل أسف أيضًا سيذكر التاريخ أنّ الشيعة يومها كانوا يقاتلون إلى جانب حاكم مستبد ديكتاتوري لا يتمتع بأيّ شرعية مقابل شعب قام وانتفض يريد التخلص منه تمامًا كما فعل الشعب الإيراني العظيم عندما قام بوجه الشاه الديكتاتور محمد رضا بهلوي.
سماحة الإمام، لقد أثبتت الخمس سنوات الماضية من مشاركة حزب الله في الحرب هناك، أنّها لم تنتج إلاّ المزيد من الشقاق بين السنّة والشيعة، وإلاّ المزيد من التورط بدماء الأبرياء التي تتحمل حضرتك مسؤوليتها بالدنيا والآخرة، ولم يستطع الحزب بحسم الحرب لمصلحة بشار الأسد كما كان يرغب وكما كان أوحى لكم أنه يستطيع، حتى أنّ التدخل الروسي بكل ما أوتيَ من قوّة قد عجز عن ذلك أيضًا ممّا اضطره إلى الإنسحاب من الميدان بأول فرصة له.
سماحة الإمام، طبعًا أنتم تعلمون بأنّ محادثات تفاوضية تجري الآن بين طرفي الصراع وبأنّ القوى الكبرى وضعت لهما خارطة طريق لا بد يسيرون عليها، وبأنّ نتائج إيجابية سوف تُفضي إليها هذه المحادثات ولو بضغط خارجي، وهذا الأمر فيه كل الخير للشعب السوري ولشعوب المنطقة من أجل الوصول إلى نهاية لوقف حمام الدم والدمار.
سماحة الإمام، في هذه اللحظة التاريخية بالذات وبالخصوص بعد الإنسحاب الروسي نلفت نظركم بأنّ قرارًا مماثلاً من حضرتكم بإعلان سحب حزب الله أيضًا من القتال في سوريا، سوف يساهم إلى حد بعيد على لملمة الكثير من الجراحات، وسوف يخرج الشيعة من خانة العداء للشعب السوري وإظهارهم أنّهم إلى جانب الحل ويؤيدون الوصول إلى التسوية السياسية وقد يساهم مثل هذا القرار الشجاع من حضرتكم إلى تخفيض مستوى التسعير المذهبي الذي يعمل عليه الأعداء.
سماحة الإمام، نلفت نظركم أنّ قرار الإنسحاب من سوريا على أهميته التاريخية وعظمته الشرعية والإنسانية الآن قبل الغد هو رغم وجوبه، من غير الوارد أن يصدر إلاّ منكم، لأنّ الأخوة في حزب الله المنغمسين في الحرب الميدانية فإنّهم لن يقدروا على تشخيص المصلحة إلاّ بخلفية حربية قد تفرض عليهم أن يروا بأنّ الإنسحاب بدون تحقيق انتصار ساحق لمصلحة بشار هو أقرب إلى الهزيمة وقد لا يتمكنون من تلمس حقيقة تقول، بأنّ نفس الخروج من نهر الدم إنّما هو الإنتصار الحقيقي، والسلام .