يتنفس اللبنانيون اليوم مشروع الهواء النظيف ببدء رفع النفايات من الشوارع إلى المطامر التي ستستقبلها في برج حمود و«الكوستا برافا» والناعمة. كما يتنفس فريق 8 آذار مشروع تجدد الرهان على عزم روسيا عدم السماح بتغيير المعادلات العسكرية والميدانية والسياسية على الأرض.
وبين هذين الرهانين تتنفس «حكومة المصلحة الوطنية» هواء عطلة الفصح المجيد لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، فتغيب اسبوعاً عن الجلسات، ريثما يُصار إلى «تبريد النفوس» و«تدوير زوايا الخلافات» حول حصص الطوائف في الدولة التي تربط الحكومة منفردة بين مكونات البلد وممثلي الأحزاب والكتل وتحول دون الوقوع في الهاوية، التي بدأ وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب «جاذلاً» وهو يبشر وزير الإعلام رمزي جريج بوقوع الحكومة في الهاوية، الا ان الوزير الميثاقي جريج رد عليه بأنه هو الوحيد الذي سيقع في الهاوية.
خمس ساعات كانت ثقيلة على غالبية الوزراء الذين يرفضون الضغط على الحكومة ورئيسها لاعتبارات تتصل برئاسة الجمهورية، من باب القناعة المتصاعدة عند الفريق العوني، بأنه إذا لم تكن الرئاسة من نصيب النائب ميشال عون فلتهبط السماء على من فيها، ولا بأس من فرط الحكومة، ولا بأس من فرط المجلس النيابي، ولتنصرف الطوائف إلى بناء كياناتها في ضوء التفاهمات والثنائيات الحزبية والمذهبية، في زمن البحث عن خرائط لكيانات عرقية وتجمعات طائفية والرعايات الدولية لما يمكن وصفه «برعايا الدول الضعيفة والتي تعيش اضطرابات وتمزقات تجهز على وحدتها كدول، وعلى دساتيرها وانظمتها المركزية».
ولعل هذه المخاطر المتمثلة باللعب على حافة الحصص الطائفية، والتي تُهدّد بقذف البلد إلى الهاوية، هي التي دعت مجلس الأمن الدولي أمس إلى «التحذير من استمرار إعاقة قدرة لبنان على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية بسبب استمرار الشغور الرئاسي، والأزمة السياسية في الحكومة».
وعبر المجلس عن قلقه بدعوة «جميع القادة اللبنانيين إلى التمسك بالدستور اللبناني واتفاق الطائف والميثاق الوطني، واعتبار استقرار لبنان والمصالح الوطنية يتقدَّمان في سلم الأولويات على السياسات الحزبية».
وربط أعضاء مجلس الأمن الدولي في بيان صدر في ختام مناقشة حول القرار 1701 بين عجز البرلمان عن انتخاب الرئيس بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، مطالبين القيادات اللبنانية بالمرونة اللازمة لعقد جلسة برلمانية والبدء بانتخاب رئيس للبلاد.
وإذ أشاد المجلس «بعزم الحكومة اللبنانية على اجراء الانتخابات البلدية، طالب السلطات المحلية باجرائها ضمن الجدول الزمني المحدد».
الإنسحاب الروسي
في هذا الوقت, بقيت تداعيات الانسحاب العسكري الروسي في واجهة الاهتمام سواء في ما خصّ مشروع الاتحاد الفيدرالي الكردي شمال سوريا، أو المفاوضات المتعثّرة في جنيف حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية ودوره في المرحلة الانتقالية ومدتها، كانت القياداتان السياسية والعسكرية الروسية تتحدث عن أن خبرة الأشهر الستة في سوريا بيّنت «القدرة على مواجهة العدو في أي بقعة من الأرض»، وفقاً للقيادة العامة للقوات الجوية الفضائية الروسية.
وهذا الأمر، جعل المسؤولين المعنيين في 8 آذار و«حزب الله» يصفون الانسحاب العسكري الروسي «بالتكتيكي»، وأن «حزب الله» غير معني بالإقتداء بهذا الانسحاب، بصرف النظر عن مآل تبريد المنطقة في اليمن، والمبادرات الجارية لتقديم الحل السياسي على العسكري مع قرب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما.
إلا أن مصادر أمنية لبنانية أكّدت لمراجع مسؤولة أن «حزب الله» سحب عدداً من مقاتليه في سوريا.
وأشارت هذه المصادر إلى أن القوى التي بقيت هناك أُعيد انتشارها وتموضعها، بحيث أبعدت عن النقاط الساخنة مع دخول الهدنة موضع التنفيذ.
وفيما خصّ الإجراءات العربية ضد «حزب الله» في دول الخليج، كشف النقاب في مملكة البحرين أن شرطة المنامة ألقت القبض على شخصين بتهمة بيع صور تخص «حزب الله» أحدهما بحريني وهو صاحب المحل والآخر آسيوي يعمل في نفس المحل.
كما كشفت مصادر أمنية أن الإدارة العامة لأمن الدولة الكويتي أعدت قوائم منع من دخول البلاد بحق وافدين مرتبطين بحزب الله اللبناني، كما أن العمل جارٍ على إبعاد أشخاص يوفّرون الدعم المالي والإعلام السياسي لحزب الله، انطلاقاً من أن أمن البلاد خط أحمر، وأمهل شخصان للمغادرة خلال شهر، ومنع ستة أشخاص من الدخول عبر المطار، وجرى رفض تجديد إقامة خمسة أشخاص جميعهم إعلاميون يعملون في قناة تلفزيونية وصحيفة يومية.
دولياً، وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقرير له حول القرار 1701، سلاح حزب الله بأنه لا يوفّر الحماية للبنان كما يدّعي الحزب، بل يقوّض حكم القانون ويشكّل تهديداً خطيراً على السيادة والاستقرار، واصفاً الوضع في المنطقة التي تسمّى «الخط الأزرق» بالهش في ضوء التطورات الجارية في سوريا، داعياً لمعالجة الأسلحة التي يملكها الحزب بالحوار فور انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
مجلس الوزراء
أما جلسة مجلس الوزراء التي تميّزت بالحدّة وبالمشادات بين الوزراء حول الملفات الساخنة، ولا سيّما ملف جهاز أمن الدولة، وصفقة القمح الروسية المسرطنة، فكادت أن تخرج رئيس الحكومة تمام سلام من هدوئه وصبره الطويل، فانفعل وخرج من الجلسة، ثم عاد إليها طالباً البدء بجدول الأعمال، واعداً بطرح موضوع أمن الدولة في الجلسة المقبلة، وأنجز المجلس على هذا الصعيد جزءاً كبيراً من البنود التي تجاوزت الـ170 بنداً، لكن الجو الحاد عاد ثانية عند البحث في موضوع تعيينات مجلس الجنوب والمدير العام لوزارة العمل جورج ايدا حيث اعترض عليه وزيرا التيار «الوطني الحر» جبران باسيل وبو صعب، لكنهما عادا ووافقا على هذه التعيينات بعد أن تبيّن أنها جرت وفق الآلية المعمول بها في هذا الإطار.
وأوضحت مصادر وزارية لـ«اللواء» أن الرئيس سلام خاطب الوزراء في بداية الجلسة إلى ضرورة إنهاء بنود جدول الأعمال، على أن ينتقل البحث بعد ذلك إلى مواضيع خارج الجدول.
ومع ذلك، أثار الوزيران آلان حكيم وميشال فرعون موضوع جهاز أمن الدولة، معتبرين أن الموضوع لا يحتمل التأجيل، فرد سلام بالقول: «دعونا نتداول بالموضوع في الأسبوع المقبل»، لكن الوزيرين هدّدا بالإنسحاب من الجلسة، فتدخّل الرئيس سلام غاضباً وقال: «ما حدا يهدّدني، يللي بدو ينسحب ينسحب». وكاد حكيم أن ينسحب لولا تدخل الوزير بو صعب وأقنعه بالبقاء، طالما أن سلام وعد بإدراج الموضوع على جدول أعمال الجلسة المقبلة.
وأشارت المصادر إلى أن هذا الموضوع فتح النقاش بموضوع الخلل في التوازن الطائفي في وظائف الدولة بين المسيحيين والمسلمين والحاجة إلى تعيينات موظفي الفئة الثانية، وقد دخل الوزير باسيل على خط لفت النظر إلى هذا الخلل، الأمر الذي استفز وزير المال علي حسن خليل الذي انتقد بشدة خطاب باسيل في عشاء التيار العوني، فارتفع صوت سلام داعياً إلى النظر في الأخطار المحدقة بلبنان.
وعلّق وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج عبر «اللواء» بالقول: إذا كانت هناك من حاجة للتعيينات، فلا بدّ من وجود أرقام وإحصاءات ودراسات، داعياً إلى الابتعاد عن الدخول في سجالات طائفية.
وعلى صعيد آخر، علم ان الرئيس سلام هو من اثار موضوع القمح، والكلام عن وجود مواد مسرطنة، فطلب من الوزير حكيم تزويده بالتفاصيل، وعندما تحدث الوزير حكيم عن فحوص أظهرت ان العينات سليمة، وتدخل الوزير وائل أبو فاعور متهجماً، واتهم حكيم بأنه يدافع عن التجار في حين انه أي أبو فاعور يدافع عن الفقراء، فرد عليه حكيم قائلاً: لا اعرف من هو التاجر لكننا ندافع عن المواطن من دون وجود طبقات.
وذكر بأنه ضد التشهير والتهويل، لأن ذلك يضر بجميع القطاعات، وتدخل الوزير أبو فاعور واتهم حكيم بأنه طعنه بالظهر عندما أصدر بياناً الثلاثاء وتحدث فيه عن الموضوع، الأمر الذي نفاه حكيم.
وازاء السجال الذي استمر لفترة من الوقت، تدخل الرئيس سلام واقترح عقد اجتماع ثلاثي يضم وزراء الاقتصاد والتجارة والصحة والزراعة يوم الاثنين المقبل.
وفي تعليق على ما جرى، أوضح حكيم لـ«اللواء»: سأدرس موضوع حضوري الاجتماع، مؤكداً انه من الآن ولاحقاً سيسمي الأشياء باسمائها ولن يكون هناك أي دبلوماسية.
وأوضح انه كان بالحري على وزير الصحة الا ينتظر مُـدّة أسبوع للتحرك، وقال: «لو كنت مكانه لكنت تحرّكت بالنهار نفسه»، مذكراً بأن العينات التي تكشف عليها وزارة الاقتصاد ترسل إلى أهم مختبر كيميائي هو معهد البحوث الصناعية، وقال: الدكاكين الأخرى لا تهم وزير الاقتصاد.
واعرب عن اعتقاده ان إثارة ملف القمح اليوم تهدف إلى خلق هلع جديد لصرف النظر عن فساد النفايات، مذكراً بأن موضوع إجراءات القمح اثير في العام 2015 من قبل الوزير أبو فاعور في بداية أزمة النفايات التي أشار إليها حزب الكتائب.
إلى ذلك، لم يبحث المجلس موضوع الأزمة التي تشهدها الصحافة الورقية، مع العلم ان وزير الإعلام رمزي جريج طرحه داخل الجلسة، وعلق أحد الوزراء بالقول «كلهم أصبحوا خبراء بصوت لبنان». (راجع ص 2)
النفايات
وفيما أكد عدد من الوزراء من أن خطة النفايات ستنطلق اليوم الجمعة، بحسب ما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد الجلسة، علم ان الرئيس سلام كان التقى صباحاً، وبعيداً من الإعلام أمين عام حزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان في حضور الوزير أكرم شهيب، حيث تبلغ رسمياً موافقة اللجنة المركزية للطاشناق على خطة الحكومة، بعد التوضيحات التي تبلغها بالنسبة للهواجس التي كان أثارها بقرادونيان قبل أيام.
ولفت شهيب بعد الجلسة إلى ان الاتصالات التي جرت خلال هذا الاسبوع أوصلت الأمور إلى مكان مريح، مشيراً إلى ان هناك بعض الاتصالات ستجري أملاً أن تكون أيضاً إيجابية لنبدأ بعد ذلك بتنفيذ ما اتفقنا عليه.