في بلد مشلول عن بكرة مؤسساته منذ أدخله التعطيليون القدامى - الجدد عنوةً في غيبوبة الفراغ، يصبح البديهي حدثاً استثنائياً قائماً بحد ذاته. والحدث اللبناني الاستثنائي كان بالأمس أنّ الحكومة عادت إلى العمل! فبعد طول صراع مع الوهن والتجاذب السياسي الرئاسي، نجح مجلس الوزراء في إدارة محركاته وظهره لسياسات الالتفاف والخروج على جدول الأعمال بعدما حزم رئيس المجلس أمره وأصرّ على الالتزام بالجدول والحؤول دون إغراقه في مستنقعات المد والجزر المتمادية خطابياً وإعلامياً على حساب إنتاجية الحكومة ومصالح الناس، وعليه خلصت الجلسة إلى غلّة «مثمرة» في سلة تفعيل العمل الحكومي أسفرت عن إقرار جملة بنود حيوية لتسيير مرافق الدولة.

وأوضحت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ جلسة مجلس الوزراء «انتهت مثمرة لكنها بدأت عاصفة» على خلفية ملف جهاز أمن الدولة، وأشارت إلى أنّ الوزيرين ميشال فرعون وآلان حكيم طالبا في مستهلها بإيجاد حل سريع لهذا الجهاز الأمني بشكل يحفظ موقع مديره العام الكاثوليكي. وبعد أن تم تذكير رئيس الحكومة تمام سلام بالاتصال الذي تلقاه من بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام لهذه الغاية، دخل الوزير جبران باسيل على خط إثارة الموضوع لكنّ سلام رفض الاستغراق في الأمر وطلب العودة إلى الالتزام بجدول أعمال الجلسة. غير أنّ محاولة باسيل الالتفاف على هذا الطلب والإصرار على مناقشته استثارت رئيس الحكومة ودفعته إلى الرد بشكل حازم: «هيك ما بيمشي الحال»، مشدداً على وجوب حصر النقاش بجدول الأعمال، وقال: «لا يمكن الاستمرار بتحويل مجلس الوزراء إلى منبر لترجمة الخطابات الإعلامية، صحيح أنّ البطريرك لحام هاتفني وحدّثني بالموضوع لكن أيضاً ليس من اللائق جعل هذا الاتصال وفحواه عرضة للاستثمار الإعلامي والسياسي». 

ونقلت المصادر أنّ وزيري «حزب الله» نأيا بنفسيهما عن السجال العوني مع رئيس الحكومة، بل إنّ الوزير حسين الحاج حسن بادر إلى تهدئة سلام الذي بدا عليه الانفعال الشديد وطلب له «الماء والقهوة» لتهدئته، في حين تولّى الوزير علي حسن خليل الرد مباشرةً على باسيل مطالباً بالإقلاع عن سياسة الابتزاز الطائفي والمذهبي والكف عن وضع الآخرين في خانة «الذمية السياسية»، وقال خليل متوجهاً إلى وزير الخارجية: «أنت يا معالي الوزير كيف تتعامل مع التعيينات في وزارتك.. هل لنا أن نسأل عمّن كلفتَه بمهام السفير في العراق؟» في إشارة إلى تكليف باسيل موظفاً من الفئة الثالثة بمهام السفير بخلاف الأعراف المتبعة طائفياً لهذا المنصب.

عند هذا الحد انتهى النقاش، وانتقل المجلس إلى مناقشة جدول الأعمال وإقرار بنوده، وأشارت المصادر في هذا المجال إلى أنّ سلام طلب إدخال «تعديلات طفيفة» على القرار المتعلق بمعالجة ملف النفايات توخياً «لمزيد من التوضيح» بشكل يمهد للبدء بتنفيذ الخطة المرحلية للطمر خلال الساعات المقبلة. 

الراعي

تزامناً، برز في الملف الرئاسي كلام للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أمس ذكّر فيه باتفاق الأقطاب الموارنة الأربعة (الرئيس أمين الجميل والنائبان ميشال عون وسليمان فرنجية والدكتور سمير جعجع) في بكركي على وجوب انتخاب أحدهم رئيساً للجمهورية، وقال رداً على أسئلة أفراد الهيئة التعليمية والإدارية خلال زيارته معهد القديس يوسف: «الجميع يعرف أن الأقطاب الأربعة اعتبروا أن الرئيس يجب أن يأتي من بينهم وتوصلوا إلى اتفاق في ما بينهم وجاؤوا إلى بكركي ليعلنوا منها ترشيحهم»، وأردف مضيفاً: «وصلنا مؤخراً إلى مرشحَيْن من 8 آذار، ونحن نقول لهم دائماً تفضلوا إلى المجلس النيابي وانتخبوا رئيساً (...) الدستور ينصّ على أنّ المجلس يصبح عند حصول الفراغ هيئة انتخابية، نرفض الواقع القائم لأنه مخالف للدستور وأي شرح آخر لا نقبل به».

مجلس الأمن

وليلاً، أعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه جراء استمرار الشغور في سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية والركود الحكومي الحاصل بشكل يقوّض قدرة الدولة على مواجهة التحديات التي تواجهها، ودعا المجلس إثر استعراض تقرير حول لبنان قدمته منسقة شؤون الأمم المتحدة سيغريد كاغ القادة اللبنانيين إلى التصرف بمسؤولية وانتخاب رئيس للبلاد، مناشداً إياهم وضع المصالح الوطنية فوق كل الاعتبارات السياسية.

وإذ دعا الفرقاء اللبنانيين إلى وقف تورطهم في الأزمة السورية، شدد المجلس على أهمية النأي بالنفس عن هذه الأزمة، داعياً في الوقت عينه إلى مواصلة دعم القوات المسلحة الشرعية اللبنانية لمحاربة الإرهاب وحماية الحدود، مع إبداء القلق جراء تأثيرات ملف اللاجئين السوريين على لبنان.