من أجلها، تعلمت الجغرافيا من جديد. فأصبحت الأشرفية حي في شمالي مدينة حلب. وهاجرت دوما من قضاء البترون الى الغوطة الشرقية. تعلمت أن هناك مدن اسمها درعا وادلب ومنبج والقاميشلي، وسمعت للمرو الاولى بجسر الشغور ومعرة النعمان وأعزاز وازرع حتى في الصنمين، وأصبحت أتسمر يوميا أمام الخريطة الالكترونية، أتابع تطور اللونين الأحمر والأخضر كأني أشاهد المسلسل الأميريكي "24".
الى أن دخل اللون الاسود المعادلة ليفسد كل شيء، كما كانت تدخل ديدي، شقيقة دكستر، الى مختبره. من أجلها، أصبحت أعتبر تنظيم القاعدة (أي جبهة النصرة) أكثر اعتدالا حتى من تيار المستقبل. وأزعل عندما يخسر الطفل السوري في برنامج "ذي فويس كيدس"، ولو كانت الفائزة لبنانية شمالية، وأصبحت أحب اللهجة السورية، بعد أن كان يصيبني اشمئزاز عندما كنت أستمع عرضا الى مسلسل مدبلج باللهجة السورية. وقد تكون كلمة "جاجِة" أظرف كلمة سمعتها في اية لغة. بما فيهم اللغة الهولندية.
من أجلها، طعنت أبراهام لنكولن ورونالد ريغان في الظهر، ووعدت هيلاري كلنتون بصوتي بحفنة من صواريخ الستينغر للثوار. وقد أكون على استعداد أن أبيع روحي في هذا السبيل. لكن في هذه الأيام العرض للأرواح كبير والطلب قليل، فما بتوفي معو ابليس. وبا خيي، مقابل وابل من التوماهوك، مستعد حتى اخدم بالجيش اللبناني (صدّقوا)، وسوق بنسوان الظباط كل النهار، مع كل ما يترافق مع ذلك من مهام جنسية محفوفة بالمخاطر، من أجلها، مزقت بوستر مونيكا بلوشي في غرفتي. وعلقت مكانه صورة هديل الكوكي.
وأصبحت أردد هتافات ابراهيم القاشوش في شوارع الجميزه، على طريق العودة المخمورة من النايتكلوب الى السيارة. "وبدنا نشيلو لبشار، وبهمتنا القوية... سوريا بدها... حرية!" ووقفت احضر الMTV والمستقبل والLBC... أنا بحضر أورينت نيوز. وطردت بون جوفي وكولدبلاي من بلايليست هاتفي، وحجزت المكان كله لفضل شاكر. أغنية وحيدة أستمع اليها ليلا نهارا: "سوف نبقى هنا".
من أجلها، شتمت بطرك طائفتي. مرارا وتكرارا شتمته. بأقبح وأوسخ العبارات. بوفر بشار قال. طلع اميل لحود من الرئاسة، وعاد ودخل من البطريركية. ومن أجلك، اكتشفت انسانيتي من جديد، وشفيتي الحقد الذي كان يعميني. الى هذا اليوم، لا زلت أندم انني رأيت مرة بعض الشبان من الذين أعرفهم يعتدون بالضرب على عامل سوري دون أن أحرك ساكنا.
ليس خوفا منهم طبعا، بل لأنني لم أكن أبالي. بل اني كنت أتمنى السوء للسوريين جميعا، رجالا ونساءا، شيوخا وأطفال، وأخجل من نفسي كثيرا عندما أفكر أن العامل السوري الذي تمنعت من محاولة حمايته، قد يكون يرابض اليوم في الشيخ مسكين، بينما أنا أجلس في منزلي الآمن. ماذا تفعل بنا الأوطان؟ يقال انه لا يجوز على المرء أن يقارن بين حبيباته.
حبي الأول كان مدوّخًا، مثل حب المراهقين. الا انه تآكل وبهت ولم يصمد أمام صعوبات الزمن، ولست الوحيد الذي تحطمت آماله على ضفاف ثورة الأرز، القوات اللبنانية، ومن ضمنها والديّ، قدمت أغلى ما عندها لتحمي مجتمعها في الحرب، وكانوا هؤلاء يشتموا شبابها خلال ممارستهم للسباحة في شواطئ المتوسط في المقابل، رغم كل انتكاساته، لا زال الشعب السوري يهتف في مظاهراته "الله محيي الجيش الحر"، صحيح أن النظام السوري قصف الأشرفيه على مئة يوم. لكنه قصف حمص طوال خمسة سنوات. بالبراميل المتفجرة.
واستعمل السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، واغتال 1300 شخص في يوم واحد. والله لو يعمل هيك عنا، كان ليبقى 20000 واحد بس! واليوم فيي قول: طز على 14 آذار، انا جماعة 15 آذار... فكما قال سمير قصير يوما: ربيع بيروت يمر في دمشق.
لذلك، في الذكرى الخامسة للثورة السورية، أرفع قبعتي للشعب السوري الشجاع. وأعتذر منه، كم كنت مخطئا في حقه. أما وطننا، فهو لا يستحق ابنائه، فتبا للاوطان... لفوا نعشي في علم الثورة السورية. مارون كيروز