كما فاجأ العالم بقراره بدفع قواته العسكرية في شهر أيلول الماضي للانخراط في الحروب السورية. كذلك فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاجأ العالم منذ أيام قليلة بسحب هذه القوات او جزء منها من سوريا والعودة إلى أرض الوطن بعد أن تمت مهمتها التي جاءت من أجلها حسب الزعم الروسي. وبالرغم مما قيل وتناولته وسائل الإعلام العالمية ان قرار الإنسحاب العسكري الروسي جاء بعد اتصال هاتفي جرى بين الرئيس فلاديمير بوتين مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وتم التوافق عليه بين الرئيسين إلا أن مجريات الأحداث والمعلومات القريبة من القيادة الروسية تؤكد على ان القرار روسي بامتياز، واتخذه الرئيس بوتين وابلغه إلى نظيره السوري خلال الاتصال الهاتفي.
وأكثر من ذلك فإن هناك علامات واضحة برزت خلال الاسابيع الأخيرة تشير إلى مدى التململ الروسي من ممارسات القيادة الروسية واستياء المسؤولين الروس من سلوك النظام السوري الذي حاول أن يعصي التعليمات الروسية ويظهر بمظهر أنه سيد القرار الحر منكرا فضل غارات السوخوي الجوية، باستهدافها مواقع ومراكز وقيادات المعارضة السورية. في انتشاله من حافة الهاوية التي كاد أن يسقط فيها لولا التدخل العسكري الروسي في اللحظة المناسبة، لقد حاول الرئيس بشار الأسد التصرف مع الرئيس بوتين بشكل مغاير تماما للواقع.
إذ انه ما كادت المقاتلات الروسية تفك الحصار عن قواته في بعض القواعد حتى أطل على الإعلام بتصريح أعلن فيه عزمه على القتال إلى حين إستعادة كل البلاد وتحقيق النصر. مما استدعى ردا قاسيا من موسكو جاء على لسان المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة / فيتالي تشوركين / بالقول أنه على الرئيس السوري الامتثال للقيادة الروسية إذا كان يريد حلا لأزمة بلده.
على ان الهجوم الأعنف ورد في صحيفة /كومرسانت / الروسية التي انتقدت سلوك الرئيس بشار الأسد بعد رفضه اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنجزته موسكو وواشنطن في ميونخ، وشبهت تصرفات المسؤولين السوريين بعد المكاسب التي تحققت على الأرض ب / الكلب الذي يبدأ بتحريك ذيله / لا شك ان أحد الأسباب التي حملت الرئيس الروسي للتدخل العسكري في سوريا هو فرض بلاده لاعبا أساسيا الى طاولة المفاوضات للحل السوري وتاليا على الساحة الدولية، وهذا ما استطاع تحقيقه وبالطبع فإنه لن يقلب الطاولة على نفسه وينسحب كليا من سوريا، فالمقاتلات الروسية التي عادت إلى قواعدها يمكنها ان تحط في سوريا في اي لحظة ومتى اقتضت الضرورة.
سيما وأن لدى القيادة الروسية تفويض بذلك من الحكومة السورية، وكذلك فإن أنظمة / اس 400 / الصاروخية باقية في قواعدها في سوريا لتحذير تركيا من محاولة اللعب بالنار إضافة إلى قاعدة حميميم وميناء طرطوس الذي سيبقى القاعدة الروسية الوحيدة على البحر المتوسط. فمهما قيل وما قد يقال عن خطوة الرئيس الروسي بأقدامه على السحب الجزئي لقواته العسكرية من سوريا فإنه يعكس واقعا من ان بوتين ما زال يحتفظ بالقدرة على مفاجأة الجميع.
وبالتالي فإن هذا الانسحاب هو رسالة إلى الأسد بضرورة الانخراط الإيجابي في المفاوضات التي تنتهي جولتها الأولى في الرابع والعشرين من الشهر الجاري للوصول إلى حل يقوم على مشاركة السلطة مع المعارضة يعقب ذلك تحقيق إصلاح دستوري وبعدها إجراء انتخابات رئاسية، مع الإشارة إلى ان هناك أوساط سياسية عالية المستوى تتحدث عن أن الانسحاب الروسي قد يكون بداية صفقة بين القوى الكبرى تفضي إلى احتمال قرب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن حكم سوريا بعد خمس سنوات من الحروب المدمرة.