يجري في مدينة رميلان السورية مؤتمر دعا إليه حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي ويشارك فيه حوالي ال 200 شخصية وفصيل كردي لبحث مستقبل الأكراد في سوريا وآفاق حل الأزمة السورية.
حزب الإتحاد الديمقراطي PYD والذي يرأسه صالح مسلم محمد يتبع في الأساس لحزب العمال الكردستاني PKK الذي يتزعمه عبد الله أوجلان المعتقل في السجون التركية وهو مصنف على لوائح الإرهاب في تركيا وإيران ويطمح لإقامة دولة كردية مستقلة.
ويعتبر حزب الإتحاد الديمقراطي الذراع السياسي السوري لأوجلان ولديه جناح عسكري يعرف بوحدات حماية الشعب الكردية وهي تنشط في الشمال السوري.
لا شك أن أكراد سوريا ذاع صيتهم إبان الأزمة السورية منذ 2011 وهم كأكراد العراق يطمحون لتأسيس دولتهم " كردستان" بعيدا عن ضبابية التصريحات التي تطغى على خطابات مسؤوليهم. وقد عانوا كثيرا جراء ما حصل في سوريا وخصوصا في الفترة التي إستباحت فيها داعش مناطقهم في الشمال وشرقي شمال سوريا ووصلت لإحتلال معظم مناطقهم حتى كوباني" عين العرب" حيث سجلت مواجهات قاسية بينهم وبين داعش حسمت لصالحهم بمساعدة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. ولم يكتفوا بتحرير كوباني بل توغلوا في أرياف حلب الشمالية وإستطاعوا السيطرة على مناطق عديدة طردوا منها داعش.
على الضفة المقابلة، في منطقة الجزيرة، إسترجعوا القامشلي وإستطاعوا تحقيق وحدة جغرافية بين المناطق الكردية بإستثناء حاجز جغرافي يفصلهم عن الإرتباط بكوباني وأصبحوا على تماس مباشر مع الرقة معقل داعش الأساسي التي سجلوا خروقات واسعة في أريافها هدد تواجد التنظيم الإسلامي هناك.
تعمل وحدات حماية الشعب الكردي حاليا ضمن إطار عسكري عريض يعرف بقوات سوريا الديمقراطية التي تضم فصائل كردية وعربية وآشورية وغيرها وهدفها محاربة داعش بمساعدة أميركية وساهمت في إسترجاع العديد من الأراضي.
منذ كانون الثاني 2014 أقام أكراد سوريا إدارة ذاتية في مناطقهم المحررة وأداروا شؤونهم الخاصة بإستقلالية بعيدا عن تدخلات الحكومة السورية والتي تربطهم معها مصالح مشتركة قائمة على محاربة التنظيمات المعارضة للنظام السوري في الشمال.
لذلك كان هناك منذ بداية الأزمة غض نظر من قبل الحكومة السورية إتجاه الأكراد بما يخص الإدارة الذاتية. تقدر نسبة الأكراد في سوريا ما بين 6 إلى 10% من سكان سوريا وهم يتمركزون في الشمال السوري وموزعين على مناطق مختلفة من سوريا كحلب ودمشق. تاريخيا كانوا يطمحون لبناء دولة خاصة بهم إلا أن التوازنات الدولية لم تكن تسمح بتحقيق هذا الحلم مراعاة لعوامل عدة أبرزها العامل التركي والإيراني.
فإيران وتركيا يسكنهما عدد كبير من الأكراد وأي صيغة لدولة كردية يعني إجتزاء أراض من تركيا وإيران وضمها للدولة الموعودة.
لذلك كان التقارب التركي الإيراني الذي سجل في الأيام الأخيرة وترجم بزيارة لرئيس الحكومة التركي أحمد داوود أوغلو لطهران للتصرف مع هذا الهاجس المشترك بعد التصريحات الملفتة للروس حول الفيدرالية في سوريا. هذا الإلتقاء التركي - الإيراني لا يأخذ بعين الإعتبار قلق حقيقي لدى أكراد سوريا دفعوا ثمنه دما وتهجيرا وأثبتت لهم تجربة 5 سنين من الأزمة السورية أن الحكومة المركزية لم تستطع أن تحميهم من جحافل داعش فإختاروا الدفاع الذاتي وأسسوا وحدات الشعب ولاحقا قوات سوريا الديمقراطية التي ساهمت في تحرير مناطقهم في الجزيرة كالحسكة والقامشلي ووصلوا إلى حدود الرقة وحلب بل مارسوا أيضا التجربة الخاصة بهم من خلال الإدارة الذاتية. وبالتالي لديهم حقوق يطالبون بها ويعملون لإنجازها.
وفي مؤتمر جنيف 3 المنعقد بين وفدي الحكومة والمعارضة السورية غاب التمثيل الكردي كمكون أساسي للشعب السوري له كلمته وحضوره. وجاء مؤتمر رميلان الكردي متزامنا بالتوقيت كرسالة للمجتمع الدولي وكخطوة إستباقية ورافضة لما يقرر من مصير لسوريا في غياب أبرز مكوناتها. أجواء مؤتمر رميلان الذي أقيم تحت عنوان:"سوريا الاتحادية ضمان العيش المشترك وأخوة الشعوب" تشير إلى توجه كردي من طرف واحد نحو إعلان الفيدرالية الديمقراطية في مناطقهم الخاصة تحت مسمى :" إقليم الشمال السوري".
هذا الإعلان تم الرد عليه من قبل الناطق بإسم الخارجية الأميركية مارك تونر الذي قال أن أميركا لن تعترف بأي حكم ذاتي للأكراد وتتمسك بوحدة الأراضي السورية. لكن الأكراد وعلى الرغم من تحالفهم الوثيق مع أميركا يستغلون الصراعات الدائرة بين وفدي الحكومة والمعارضة في جنيف السويسرية ويبنون آمالا على الروس الذين يرفعون شعار الفيدرالية هذه الأيام. فقبيل مؤتمر جنيف 3 كثرت الدعوات الروسية المطالبة بضرورة إشراك الأكراد في المفاوضات وهي دعوات لم تثمر شيئا ولكن ما سيثمر هو في حال إقتناع الجميع بالفيدرالية كحل للحرب الأهلية السورية.
إلى أن تحين ساعة الحقيقة في سوريا، الأكراد يتأملون ويمارسون أمرا واقعا يريدون فرضه على العالم مستغلين ضعف الحكومة المركزية وتردي أداء المعارضة وتعاظم إرهاب داعش والدعوات الفيدرالية للروس.
هذا الواقع يفرضونه بالقوة أيضا وينقلبون فيه على أي تفاهمات أمنية وسياسية كانت قد وقعت مع الحكومة السورية وهذا ما تجلى بالأمس من حصار فرضته ميليشيات "وحدات حماية الشعب" و " الأسايش" على المربعات الأمنية للنظام السوري في مدينة القامشلي في ريف الحسكة حيث دارت إشتباكات وساد جو من التوتر بين الطرفين.
لذلك مفاعيل مؤتمر رميلان في ريف الحسكة بدأت تتبلور على ما يبدو والعمل جار لإستبدال صيغة الإدارة الذاتية أي الكانتونات المعمول بها سابقا بنظام فيدرالي أحادي الجانب. إن كان الأكراد يتصرفون على أن طموحهم إدارة ذاتية فقط فهذا مجاف للحقيقة لأن التاريخ يخبرنا بأن حلمهم الأول والأخير هو اليوم الذي تصدر فيه جوازات سفر وهويات من دولتهم: " روج آفا" وهي تعني غرب كردستان ولذلك معظم أكراد سوريا لا يحملون الهويات تمسكا بهذا الحلم.
فهل تخيب الآمال وتفشل الرهانات من جديد؟ البعض يقول أن الأزمة السورية لم تنته بعد والأمور الميدانية بين ليلة وضحاها قد تنقلب خصوصا إذا ما تدخل السعوديون والأتراك برا في سوريا وأقاموا منطقة عازلة.
فهكذا منطقة قد تطيح بأحلام الأكراد من جديد خصوصا أن الأتراك لا يحبذون فكرة إقامة حكم ذاتي كردي في الشمال السوري على حدودهم لكي لا يرتبط لاحقا بأكراد تركيا والسعوديون متمسكون بخيار وحدة الأراضي السورية. ولوقتها، تبقى كردستان سوريا تعيش ولادتها الصعبة لها أسوة بكردستان العراق.