بعيداً عن مشاهد الدمار، وقصص الموت والحرب في سوريا، انطلق مراسل "بي بي سي" ستيفن بيريس في رحلة رصد خلالها عمليات تهريب الطيور السورية إلى لبنان، كاشفاً أنّ عملية التهريب تتم عبر خطوط المواجهة، ومن خلال المناطق الخاضعة لسيطرة "حزب الله".
ونشر بيريس تفاصيل رحلته على الشكل التالي:
حقول الحشيش
علمت فور نزولي من السيارة أمام متجر للحيوانات الأليفة شمالي وادي البقاع في لبنان أن حقول الحشيش تقع على بعد خمسة كيلومترات من هنا. كان الظلام يحيط بنا، وعندما وقفت لالتقاط صورة جذبتني ذراع قوية، "ممنوع التصوير هنا.. هذه المنطقة خاضعة لحزب الله".
كنت قد أدركت ذلك بالفعل، وسألت عما إذا كان ذلك يعني أننا معرضون للخطر. وجاءت الإجابة "كلا، أنت هنا مع ناصر الهندي. أنت هنا من أجل الحمام".
في ضيافة ناصر الهندي
تزايد اهتمامي بمهربي الحمام من سوريا حينما كنت في عمان في منزل ناصر الهندي الذي يربي الحمام منذ أكثر من 30 عاماً ويحتوي القفص الكائن على سطح منزله على طيور لم يرها أحد من قبل في ميدان "ترافلجار" بلندن. وتقدر قيمة بعض أنواعها بنحو 15 ألف دولار أو أكثر، أمّا قيمة المجموعة بالكامل فتبلغ أكثر من مليون دولار.
الحمام السوري
قال الهندي: "خلال السنوات الخمس الماضية، بدأ السوريون بيع الحمام حتى يستطيعوا شراء الطعام. وكانت الطيور تموت خلال الانفجارات، ولذا بدأوا يرسلونها إلى لبنان من أجل بيعها".
وحينما وصل المشترون من دول الخليج إلى لبنان تهافتوا عليها، فوضع الهندي بعض الاستثناءات، وتساءل قائلاً "لماذا ينبغي أن يخرج الحمام إلى مناطق خارج الشام؟"
وهكذا، أنفق الهندي خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 500 ألف دولار لشراء الطيور السورية، وأسس منذ عامين جمعية هواة تربية الحمام بالشام، التي أصبح رئيساً لها.
بصحبة طارق خالد أبو جبل
التقينا ثانية بعد بضعة أيام بلبنان، فحينما وصلت إلى بيروت صباح يوم الأحد، وجدت الهندي في أحد الفنادق المطلة على البحر المتوسط. وكان سائق السيارة واحداً من أشهر هواة تربية الحمام في لبنان ويدعى طارق خالد أبو جبل.
وقبل الشروع في البحث عن الحمام السوري، قمنا بزيارة قفص الحمام الخاص به، وسرعان ما انطلقنا باتجاه شرقي لبنان ثم انعطفنا يميناً عند علامة تشير إلى الطريق نحو الحدود السورية.
لا يثير الحمام إعجاب تنظيم "داعش" بحسب محمد دابوبي، شريك الهندي في العمل، وتشير إحدى التقارير غير المؤكدة إلى أن التنظيم يعتبر تربية الحمام مخالفة للشريعة وعقوبتها الموت.
تهريب الحمام عبر الحدود
يتعين أن تبقى الطيور على قيد الحياة لمدة 24 ساعة خلال عبور المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة وصولاً إلى لبنان. وهناك مبالغ محددة لرشوة المسؤولين على امتداد الطريق: 500 دولار مقابل السماح بتهريب كل عشرة طيور، وهو ما يتجاوز راتب شهر كامل للمواطن السوري العادي.
في شتورا والبقاع
كانت وقفتنا التالية في مدينة شتورا عند تاجر يدعى علي بابا ولديه حمام بالغ الجمال وصل حديثاً من سوريا عن طريق إدلب أيضاً. وتقول الشائعات بأن السوريين يرسلون له الطيور ولكنه لا يدفع ثمنها دائماً. لذا يشير اسم "علي بابا" إلى الأربعين لصًّا المذكورين بقصة "علي باب والأربعين حرامي".
وبعد ذلك، توجهنا نحو الشمال إلى وادي البقاع ودخلنا مطعماً فاخراً للقاء مربي حمام يدعى عبد الله، وكان الظلام قد حل وكانت نقاط التفتيش مكتظةً بعناصر "حزب الله". جلس عبد الله بجواري في المقعد الخلفي، ثم فتح زجاج السيارة ونظر إلى الحرس المسلح وكان ذلك كافياً كي يسمحوا لنا بالمرور.
فحص الهندي الطيور مجدداً، وقال إنه نادراً ما يتم اتباع إجراءات الحظر الصحي ما يؤدي إلى وفاة العديد منها. ولذلك، يريد استحداث نظام شهادات طبية معتمدة.
خلال رحلته، لم يشترِ الهندي أي طيور سورية ولكنه كان يفحصها لمعرفة ما إذا كانت مريضة، مناقشاً بعض الأمور التي تتعلق برفاهيتها لدى المهربين ومقدماً الكثير من النصائح.
(هافينغتون بوست)