رفض الأهل زواج الأخت الصغرى قبل الكبرى يؤدي إلى نشوء عداوة وبغضاء بين الشقيقتيْن، وقد ينتج من ذلك مشكلة كبيرة بينهما، نتيجة شعور إحداهما بأنها تقف في طريق سعادة ومستقبل الأخرى. هذا الأمر قد يُجبر الأخت الكبرى القبول بالزواج من أي شاب يتقدم لها، كرمى لعيون شقيقتها الصغرى، لكن غالباً هذا الزواج لا يستمر طويلاً، ويؤدي إلى حال من النفور بين الزوجَين إلى أن تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، وربما ينتهي ارتباطهما بأبغض الحلول ألا وهو الطلاق. في مجتمعنا، ويا للأسف، يتهيّأ للبعض بمن فيهم الأخت الكبرى، أن مجرد خطبة الصغرى قبلها، معناه أنها تفوقها بدرجات من حيث الجمال، الأناقة والذكاء. لكن هذا التصوّر، غالباً ما يكون خاطئاً، لأن الخطبة قد تكون من أناس لم يعرفوا سوى صغيرة هذا المنزل.  

فرح (33 عاماً) من بلدة عيناتا الجنوبية، روت لـ"النهار" تجربتها الشخصية حول هذا الموضوع. وفي التفاصيل أن شاباً وسيماً يُدعى جاد تقدم لخطبتها حينما كانت تبلغ من السن 23 عاماً، بينما كانت شقيقتها كارلا التي تكبرها بسنتيْن لا تزال عزباء. الشاب الطموح الذي لتقى مصادفةً بفرح في زيارة عائلية بعيدة، أعجب بها من اللقاء الأوّل، واستدل من خلال خالتها على عنوان سكنها. تغلّب جاد على حالات التوتر التي كانت تراوده، وطرق باب منزل والدها بعد أسبوعيْن. رحّب به الوالد، ولاحظ من هندامه أنه شخص ذو أهمية، مثقف وفاعل على الصعيد الاجتماعي.

العريس الذي قد سبق أن تخرج من أفخر الجامعات البريطانية في لندن، قدّم نبذة عن حياته، عارضاً أمامه أهدافه وطموحاته المرجوة التي تتعدى حدود الوطن حال صادق على الزواج من ابنته فرح. في هذه اللحظات، شعر الوالد بالغضب على الرغم من برودة أعصابه، وتغّيرت ملامح وجهه، بعدما تفاجأ أن جاد حضر لخطبة ابنته الصغيرة، خلافاً لما كان يتوقع، حيث كانت تجري العادات قديماً، أن من يتقدم للزواج من فتاة بعدما سمع عن طيب أهلها وكرمهم، غالباً ما يصوّب خياره نحو الفتاة الأكبر سناً في البيت.

  والد فرح الذي رفض أن يكون جاد فرداً جديداً من عائلتهم تحت ذريعة أنه لا يحبّذ أن تقيم ابنته في بلاد الغربة، عارض زواج ابنته من شاب آخر تقدم لها بعد فترة أربعة أشهر، وهذه المرة لكوْنه يكبرها سناً بثماني سنوات. هذا الجو الوضيع الذي فرضه الوالد في المنزل، لاقى استنكاراً شديداً من زوجته، وأدى إلى نشوب خلافات بينهما. وصلت على غير عادة أصداء أصواتهما إلى المباني والأحياء المجاورة، وولّد لدى فرح حالة كراهية ومقْت تجاه كارلا. لكن الأخيرة التي كانت الحلقة الأضعف في هذه الحادثة أو "كبش محرقة" إذا جاز التعبير، حاولت مراراً وتكراراً ومن خلال النصوص الدينية والأدلة العقلية إقناع والدها بتبديل قناعاته، غير أنه لم يترك هامشاً للحديث في هذا الموضوع، وبقيَ متشبساً بآرائه. بعد سنتيْن، تنفسّت فرح الصعداء، تأهلت كارلا من زميلها في العمل، وفي نهاية العام عيْنه، تقدّم شاب للزواج من صغيرة هذا البيت، وافق والدها، وجرت مراسم الزفاف بحضوره في فندق، على مقربة من مطار بيروت الدولي، المفارقة هذه المرة أن زوج فرح يكبرها بتسع سنوات ويقيم خارج أسوار الوطن.

  قرار الأب تعسفي ومضرّ بالعائلة المعالجة النفسية سعاد سلوم، رأت في اتصال مع "النهار"، أن "آلية الزواج في مثل هذه الحالات قد تكون غير صحيحة، لأن الأب لم يستطع الخروج عن المعتقدات التي تربّى عليها، لكونه شخّص نفسه الآمر والناهي في هذا الموضوع"، مضيفةً أن "القرار النهائي المرتبط بالزواج يجب أن يكون ناتجاً من إجماع الطرفيْن في المنزل الواحد أي بين سيّد هذا البيت وكريمته"، لافتاً الانتباه إلى أن "العادات القديمة كانت تفرض زواج الأكبر سناً في المنزل مهما كان عدد الشقيقات العازبات، وهذا يعود إلى خلل في العائلة والزوج في آنٍ ".

وحول التداعيات التي قد تولّدها هذه الحالة، أكدت سلوم، أن "الشقيقة الكبرى في المنزل ستصبح بنظر شقيقتها الصغرى عبارة عن سدّ يعوق طريقها، الأمر الذي سيخلق في نفسها حقداً وعداوة على شقيقتها في البداية، وعندما تعي أن والدها هو كان المسبّب الرئيسي لذلك، سينتقل هذا الغيظ ليولّد نوعاً من الغل تجاهه. واعتبرت، أن "الأب بالدرجة الأولى هو من يتحمل مسؤولية ما قد يحصل بين الشقيقتَين حال تصاعد التوتر لاحقاً، لأنه من الممكن أن الشقيقة الكبرى في المنزل لا ترغب في الزواج من الأصل، أو لن تجد الشخص المناسب لها لكي تمكث معه في مأوى واحد"، متسائلةً "هل تبقى الصغيرة رهينة ما يكتبه القدر لشقيقتها"؟ وختمت سلوم أن "الحل يكمن في جمع الزوج والزوجة والإفصاح أمامهما، أن قرارهما خاطئ، إضافة إلى الحديث مع الفاعليات الناشطة في العائلة من أجل الضغط على قرار الأب، سعياً للوصول إلى الهدف المنشود، محذرة من أن "قراره قد يولد ويلات وصراعاً داخل البيت الواحد، في حال لم يُعالج هذه المعضلة".

  الأستاذ في العلوم الاجتماعية في الجامعة الأميركية في بيروت ساري خشني اعتبر في اتصال مع "النهار"، أن "هذه الحالة هي كارثة المجتمع اللبناني، حيث لا يزال الأب يظن أن قرار الزواج هو قرار عائلي ويربط به الأمور الاقتصادية لرفع رأس مالها الاجتماعي، مضيفاً أن "بعض مجتمعات في العالم العربي تخلصت من هذا التقليد، لكن ثمة مجموعة صغيرة تجهل أن الزواج هو قرار فردي لا عائلي". ودعا ضحية هذه العادة إلى "مقاومة حكم والدها الذي يعتبر نفسه مسيطراً على قرار الزواج"، مؤكداً أنه "في حال عجزت عن تحصيل موافقته للزواج من الشاب الذي تحبه، يمكنها دخول القفص الذهبي من دون قرار عائلتها، وتبني حياتها بعيداً من البيت الذي حضنها منذ نعومة أظفارها، حتى لو كانت تخالف بذلك بعض الضوابط الدينيّة المشرّعة من رجال الطائفة التي تنتمي لها".ثمة العديد من العقبات التي يمر بها مجتمعنا، أبرزها حالات الطلاق التي ارتفع منسوبها في الآونة الأخيرة، لذلك العودة إلى العصر الحجري والعناد، والتشبّث بآرائنا يصل بنا إلى طريق وعر.  

  عالمنا اليوم، يعيش ثورة في عالم التكنولوجيا، حتى شكّل كبار السن جزءاً عظيماً منها، خصوصاً في ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي. الانسان، إذاً، الذي انتقل للتعبير عن أفكاره في الهواء الفضائي، وانخرط في جنون التطوّر الذي تشهده وسائل الاتصال الحديثة، يمكن في الوقت عيْنه أن يطوّر ذاته فكرياً ويتخلى عن بعض العادات التي لم تعد صالحة للاستخدام في يومنا هذا، من أجل أن لا نكون سبباً يفسد فرحة الآخرين، ويدفعهم إلى السفر خارج حدود الوطن.

النهار