رفع وزير الاتصالات بطرس حرب، أمس، من مدى خطورة الاختراق الأمني ــ الاقتصادي، الذي كشفته لجنة الاتصالات النيابية الأسبوع الماضي، مع إعلانها اكتشاف شبكة «إنترنت» غير شرعية موازية لشبكة الدولة اللبنانية، تشغّلها جهات وأفراد، بعضهم لديه سوابق في شبكة تجسس الباروك لمصلحة العدو الإسرائيلي.
إلّا أن حرب بدا حاسماً في مؤتمر صحافي عقده مع المدير العام للصيانة والاستثمار في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف، لجهة الربط الأمني بين الشبكة المكتشفة والاختراق الإسرائيلي، مؤكّداً أنه «منذ لحظة افتضاح شبكات تهريب الإنترنت، تبيّن أننا أمام حادث خطير جداً، بما يمثله من تهديد للأمن الوطني، ولا سيما أن المعلومات المتوافرة تشير إلى ضلوع شركات إسرائيلية في تزويد محطات التهريب باحتياجاتها».
وفي ظلّ المعلومات الأوليّة المتوافرة، فإن الخطر «ثلاثي الأبعاد»، أوّلاً لوجود شبكة رديفة لشبكة الدولة كاملة الأوصاف وغير شرعية، توزّع الإنترنت وخدمات الاتصالات الدولية بأسعار أقلّ من أسعار الدولة، وتعمل منذ سنوات تحت غطاء أمني وسياسي لم يكشف عنه بَعد. حتى إن التقنيات المكتشفة في أكثر من موقع من سلسلة جبال لبنان الغربية، التي وضعت الدولة يدها على بعضها في الأيام الماضية، تفوق معدّات الدولة اللبنانية تطوّراً، وهذا ما أشار إليه حرب. وعلمت «الأخبار» أنه جرت مصادرة عدد من الأجهزة في منطقة الزعرور، في منشأة تعود ملكيتها إلى إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية، وأن القوى الأمنية تعرّضت في بداية عملية وضع اليد على الأجهزة، لمقاومة من عناصر أمنية خاصّة في المنشأة، قبل أن تتدخل قوّة أمنية رسمية كبيرة لمصادرة الأجهزة.
ثانياً، إن الأرقام التي كُشف عنها في اليومين الماضيين، وأشار إليها حرب أمس، تؤكّد أن الخزينة العامة تخسر بسبب وجود شبكات خارج الشرعية ما لا يقلّ عن 60 مليون دولار سنوياً.
أمّا في الشق الأمني، الذي يؤكّد أكثر من مصدر أن التحقيق لا يزال في بداياته فيه، فإن الثابت أن إسرائيل لا توفّر فرصةً للتجسس على لبنان، وقد سبق أن اخترقت قطاع الاتصالات عبر أكثر من وسيلة، بشرية وتقنية، ومنها ما كُشف عنه في عام 2009 بشأن شبكة الإنترنت في منطقة الباروك، إذ أُوقف عدد من الأفراد ووُجِّهَت تهم تجسس لمصلحة إسرائيل إليهم، ليتبيّن ارتباط بعضهم مجدداً في الفضيحة الجديدة. وبحسب ما يتردّد، فإن الشبكات التي اكتشفت أخيراً تؤمّن الإنترنت من شركات في قبرص وتركيا، ومن المرجّح أن تكون إحدى الشركات هي الفرع القبرصي للشركة الأم ومقرّها الكيان الصهيوني.
صودرت أجهزة في الزعرور
داخل منشأة تعود ملكيتها إلى إحدى القنوات التلفزيونية
وقال حرب إنه اكتُشفت «منشآت وتجهيزات تقنية وأنظمة معلوماتية، ومعدات تقنية وصحون لاقطة وأنظمة اتصالات لاسلكية، والعديد من أنظمة المسارات الدولية، ومحطات للطاقة، وتحويل الطاقة البديلة وبطاريات، ومولدات كهربائية، وأبراج معدنية شاهقة، في مواقع مختلفة في أعالي قمم الجبال اللبنانية (كجرد الضنية، جرد النجاص، فقرا، عيون السيمان، والزعرور)، تعمل دون ترخيص، ما يشكل اعتداءً فاضحاً على سيادة لبنان وأمنه القومي»، مضيفاً أن «هذه البوابات تقوم بتمرير الاتصالات الدولية، وحركة معلومات الإنترنت ونقل المعلومات، من لبنان وإليه، عبر مسارات وأنظمة خارجة عن معرفة السلطات اللبنانية المعنية، معرضة مضمون هذه الاتصالات والمعلومات المنقولة لمخاطر وقوعها في أياد عدوة للبنان».
وبحسب وزير الاتصالات، إن «السعة الإجمالية المقدرة لهذه المعابر الدولية غير الشرعية بلغت 40 جيغابيت بالثانية تقريباً، أي ما يعادل 600،000 خط هاتفي دولي»، مؤكّداً «أننا أمام منظومة مقتدرة و(واصلة) ذات خبرة واسعة، اعتادت ارتكاب هذا النوع من الجرائم، لأننا اكتشفنا أيضاً أن بعض مرتكبي هذه الجرائم سبق أن كانوا متورطين في عام 2009 و2010 في فضيحة محطة الباروك المتعاملة مع إسرائيل، وقد صدرت بحقهم أحكام وعقوبات عن المحكمة العسكرية، لكن المستغرب أن هؤلاء الأشخاص استطاعوا معاودة نشاطاتهم المخالفة للقانون دون أي خوف أو أي قلق من ملاحقة الدولة لهم».
وأضاف حرب أن «الذي يدلّ على قدرات هذه المنظمة الإجرامية ردة الفعل القاسية التي قامت بها لتعطيل شبكتنا الرسمية للإنترنت. إذ إننا، من تاريخ 26 شباط ولغاية اليوم، نواجه هجمة سيبرانية عنيفة تعطل يومياً ما يقارب 50 جيغابيت بالثانية (أي 750,000 خط دولي من أصل 2,300,000 خط من السعات الدولية الموضوعة في الخدمة».
ووضع أمس رئيس لجنة الاتصالات النيابية النائب حسن فضل الله الرئيس نبيه برّي بتفاصيل فضيحة الإنترنت، وبحسب مصادر متابعة للقاء، شرح فضل الله لبري تفاصيل الفضيحة من بدايتها، واتُّفق على متابعة القضية حتى النهاية، والوصول إلى المرتكبين ومعاقبتهم وحماية قطاع الاتصالات من الاختراق الأمني والاقتصادي، وأُثنيَ على عمل اللجنة الرقابي، في ظلّ الانهيار العام الذي تعانيه المؤسسات الرسمية وغياب الرقابة.
كذلك حضر ملفّ الاتصالات على طاولة الحوار بين حزب والله وتيار المستقبل في عين التينة يوم أمس، بالإضافة إلى ملفّ رئاسة الجمهورية، والاتفاق «على تفعيل عمل المؤسسات ودعم جهود المؤسسات العسكرية والأمنية»، بحسب البيان الذي صدر بعد الجلسة.
ومن المنتظر أن يحضر ممثّلو وزارات المالية والدفاع والداخلية والاتصالات والمدعي العام المالي علي إبراهيم والمدعي العام للتمييز سمير حمود جلسة لجنة الاتصالات النيابية يوم الاثنين المقبل لمتابعة القضية، في وقت يتابع فيه إبراهيم تحقيقاته.