إنشغلَ لبنان الرسمي بفضيحة الفضائح المتمثّلة بمحطات الإنترنت غير الشرعية التي ضبَطتها الأجهزة المختصة، وتبيّنَ أنّها عرّضَت لبنان للانكشاف أمنياً أمام إسرائيل، فيما ينشغل العالم بالانسحاب العسكري الروسي من سوريا والذي تواصَل أمس، وسط تأكيدِ موسكو أنّه لن يُضعف الرئيس السوري بشّار الأسد، وترحيبِ السعودية بهذا الانسحاب، مصحوباً بأملٍ في أن تُجبر هذه الخطوة الأسد على تقديم التنازلات اللازمة لتحقيق الانتقال السياسي، وقلقِ إسرائيل من تداعيات الخطوة الروسية، ما دفعَ رئيسَها رؤوفين ريفلين إلى زيارة موسكو طالباً منها تأكيدات بأنّها لن تسمح بأن يؤدّي انسحابها إلى تعزيز دور إيران و»حزب الله» في سوريا. وفي هذا الوقت إستكمل المبعوث الأممي الخاص الى سوريا ستيفان دي مستورا إجتماعاته مع وفد النظام والمعارضة القريبة من موسكو. لن تغيب فضيحة الإنترنت غير الشرعي عن طاولة مجلس الوزراء الذي ينعقد اليوم، وهي كانت طغَت أمس على ما عداها من ملفات داخلية وتقدّمت الأولويات وباتت الشغلَ الشاغل للمسؤولين، وفي مقدّمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي شدّد على «ضرورة متابعة هذا الفضيحة التي لا تقف عند حدود الخسائر المادية للدولة، والتي تتجاوز نصفَ المليار دولار، بل تمسّ سيادة لبنان وأمنَه، خصوصاً لجهة وجود شركات إسرائيلية على خط هذا الاعتداء الخطير على لبنان واللبنانيين».

حرب

وفي هذا الإطار، قال وزير الاتصالات بطرس حرب في مؤتمر صحافي عَقده أمس: «إعتبَرنا، منذ لحظة افتضاح شبكات تهريب الإنترنت، أنّنا أمام حادث خطير جداً، خطير بما يمثّله من تهديد للأمن الوطني، خصوصاً أنّ المعلومات المتوافرة تُشير إلى ضلوع شركات إسرائيليّة في تزويد محطّات التهريب احتياجاتها، وخطير لأنّ هذه المحطات تتولّى تزويد مقارّ ومراكز رسميّة حسّاسة بخدمات الإنترنت، ومجّاناً في غالب الأحيان».

وأشار إلى «أنّ الفِرق الفنّية المختصة العاملة في وزارة الاتّصالات وهيئة أوجيرو، اكتشفَت منشآت وتجهيزات تقنية وأنظمة معلوماتية ومعدّات تقنية وصحوناً لاقطة ومحطات أرضية وأنظمة اتصالات لاسلكية، وعدداً من أنظمة المسارات الدولية، ومحطات للطاقة وتحويل الطاقة البديلة وبطاريات، ومولّدات كهربائية، ومنشآت مدنية، وأبراجاً معدنية شاهقة، في مواقع مختلفة في أعالي قمم الجبال اللبنانية كجرد الضنّية، جرد النجاص، فقرا، عيون السيمان، والزعرور، تَعمل بلا ترخيص، أو عِلم وزارة الاتصالات والإدارات والسلطات اللبنانية الرسمية، ما يشكّل اعتداءً فاضحاً على سيادة لبنان وأمنه القومي».

ونبَّه حرب إلى «أننا أمام منظومة مقتدرة و»واصلة» ذات خبرة واسعة، اعتادت ارتكابَ هذا النوع من الجرائم، لأننا اكتشَفنا أيضاً أنّ بعض مرتكبي هذه الجرائم سبقَ وكانوا متورّطين خلال عامي 2009 و 2010 في فضيحة محطة الباروك المتعاملة مع إسرائيل، وقد صَدرت في حقّهم أحكام وعقوبات عن المحكمة العسكرية، لكنّ المستغرب أنّ هؤلاء الأشخاص استطاعوا معاودة نشاطاتهم المخالفة للقانون من دون أيّ خوف أو أيّ قلق من ملاحقة الدولة لهم».

ولفتَ حرب إلى أنّ «الشركات المخالفة قد عمدت إلى تقديم خدماتها للمشتركين بأسعار مخفّضة جداً، لتشجيعهم على الاشتراك معها وتركِ المؤسسات والشركات الشرعية».

وأكّد «وقوع بعض الإدارات الرسمية والمؤسسات الدستورية، والأجهزة الأمنية الرسمية ضحيّة التحايل عليها، فاشتركت بشبكة الاتصالات العائدة لهؤلاء المخالفين، وقد قدّمت لها هذه الخدمات على أساس أنّها شرعية، وبأسعار مخفّضة جداً؛ بل أحياناً مجانية، ما شجّعها على الاستفادة من هذه الخدمات من دون أن تعلمَ أنّها تتعامل مع شركات غير مرخّص لها وغير شرعيّة ومع شركات مرتبطة بمصادر غير لبنانية غير معلنة ومشبوهة».

وأشار حرب إلى أنّ الوزارة قامت بإجراءات وصادرت التجهيزات التي كانت تعمل، وقَمعت المخالفات «وأنّ النائب العام المالي ادّعى على المتورّطين في هذه الجرائم الماليّة، وأحالهم إلى قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان الذي وضع يده على القضية». وطلبَ من النيابة العامة التمييزية متابعة هذا الملف، وملاحقة كلّ مرتكبي الجرائم المرتبطة به، وإحالتهم إلى الجهات المختصة».

فضل الله

وتعقد لجنة الإعلام والاتصالات النيابية اجتماعاً الاثنين المقبل للبحث في كلّ الملابسات المتعلقة بقضية الإنترنت غير الشرعي. وكان رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله قد أكّد بعد لقائه بري أنّ مجلس النواب وضَع يده على هذه القضية.

وقال: «نحن أمام شبكة رديفة لشبكة الدولة، ومفتوحة على التجسّس الإسرائيلي»، وأضاف: «نحن أمام شبكة خطِرة وحسّاسة أكثر ممّا يتصوّر البعض».

حمادة

وفي المواقف، قال وزير الاتصالات السابق النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «لقد أُكِلنا يوم أُكِل الثور الأبيض». وأضاف: «مَن افتتح الشبكات الرديفة غير الشرعية مسؤولٌ إلى حدّ بعيد عن هذا الانفلاش غير الشرعي، والذي يفتح الآفاق اللبنانية إلى كلّ مستمع في العالم وطبعاً إلى العدوّ الإسرائيلي.

والمذهل في هذه القضية أنّ العصابة نفسَها التي سبقَ لها وأقامت شبكة الباروك التي حاول المتباكون الحاليّون أن ينسبوها آنذاك إلينا وإلى قوى سياسية في الشوف، فيما الجهة الفاعلة معروفة وتسرح وتمرح منذ سنوات بمعرفة الجهات الرسمية والحزبية، لم تُسمّ اليوم في المؤتمر الصحافي لوزير الاتصالات بطرس حرب، لكنّ القضاء مُطالب بكشفها فوراً».

الحوار الثنائي

وكانت جلسة الحوار الـ 26 بين «الحزب» و»المستقبل»، انعقدت مساء أمس بنِصاب كامل، في مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل، والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيّد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كذلك حضَر الجلسة الوزير علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري.

وأكّدت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» أنّ الحوار عاد وأخذ سياقه الطبيعي لاستكمال تنفيذ المهمّة الأساس التي نشأ من أجلها، وهي تخفيف التوتّرات قدر الإمكان. وتوقّعت أن يبقى المسار السياسي على ما هو عليه في الفترة المقبلة بانتظار مستجدّات وأحداث جديدة.

وبعد الجلسة صدر البيان الآتي: «إتّفق المجتمعون على تفعيل عمل المؤسسات ومواكبة الإجراءات التي تعزّز الاستقرار الداخلي، ودعم جهود المؤسسات العسكرية والأمنية في عملها لحماية البلاد والمواطنين».

جبهة الاستحقاق

مِن جهة ثانية، وفيما لم يسجّل أيّ جديد ملموس على جبهة الاستحقاق الرئاسي، توَقّع المراقبون أن يتحرك هذا الاستحقاق مجدّداً في حال حصَل تقدّم على جبهة المفاوضات السورية ـ السورية في جنيف، وكذلك في حال حصول تواصل بات يتوقّعه كثيرون بين الرياض وطهران.

وكان النواب نَقلوا عن بري بعد «لقاء الأربعاء» قوله «إنّ البلد في مرحلة حسّاسة، فإمّا أن نلغي الطائفية السياسية، وإمّا أن نعتمد نظاماً نسبياً إصلاحياً يساعد على الاستقرار السياسي».

وأضاف: «إنّني أنتظر تقرير اللجنة النيابية التي كلّفت درس قانون الانتخابات النيابية، وسأطرح هذا التقرير على طاولة الحوار (بين قادة الكتَل النيابية) ليتحمّل كلّ مسؤوليته».

وقال: «لن نقبلَ باستمرار هذا الوضع المتردّي في عمل مؤسسات الدولة، وإنّنا جادّون لإعادة تفعيل عمل المجلس النيابي، وهذا الموضوع سيكون على رأس جدول أعمال طاولة الحوار في الجلسة المقبلة».

الموقف الفرنسي

وفيما لم تخرج الأزمة الرئاسية من دائرة الجمود والمراوحة بعد، استعجلت فرنسا مجدداً انتخابَ رئيس جمهورية جديداً في لبنان. وقال سفيرها ايمانويل بون من مدينة صيدا التي زارها أمس للمرّة الأولى منذ تسلّمِه مهمّاته: «إنّ الموقف الفرنسي من الرئاسة اللبنانية هو ضرورة انتخاب رئيس لبناني في أسرع وقت ممكن وإضافة إلى هذه الضرورة يجب تشكيل حكومة وتفعيل كلّ المؤسسات الدستورية اللبنانية، وهذا ضرورة للحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي».

وأكّد أنّ بلاده «تعمل في هذا الإطار وتتكلّم عن لبنان مع لبنان ومع كافة الأطراف الدولية».

وعن مساعدة فرنسا للنازحين السوريين في لبنان، قال بون: «المساعدات ضرورة بالطبع، ولكن على اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم وأن يفعّلوا كلّ المؤسسات اللبنانية لكي تتوصّل إلى حلول، وفي انتظار الحلّ للأزمة السورية، على اللبنانيين أن يبدأوا بتفعيل المؤسسات من أجل حلّ الأزمة الموجودة الآن».

الراعي

بدوره، دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال مشاركته في اللقاء الذي تقيمه «جماعة رسالة حياة» لأكثر من 150 عائلة فقيرة في أنطلياس، المسؤولين في لبنان إلى «الكفّ عن هدم مؤسسات الوطن، بدءاً من رئاسة الجمهورية وصولاً إلى مجلس النواب، فتعطيل الحكومة».

مجلس وزراء

إلى ذلك، يَستكمل مجلس الوزراء في جلسته اليوم البحثَ في جدول الأعمال القديم وبعض القضايا الطارئة التي يمكن رئيس الحكومة تمام سلام أن يدرجها من خارج جدول الأعمال. وقالت مصادر وزارية إنّ سلام سيُطلع المجلس في بداية الجلسة على نتائج الاجتماع الوزاري ـ الأمني ـ القضائي وما يعلّقه من أهمّية على ما تقرّر فيه من خطوات عملية ستشكّل بداية حلّ لأزمة النفايات.

وإلى هذه القضية سيتناول المجلس الملفّ الأمني من باب الإشارة إلى حجم التحدّيات الأمنية على الحدود اللبنانية ـ السورية وفي الداخل جرّاء تكاثر الجرائم، ولا سيّما منها تلك التي استهدفت المواطنين الكويتيين، بعدما كشفَت التحقيقات أنّها جرائم ارتكِبت على يد نازحين سوريين ولأسباب مادّية لا تخرج عن إطار السرقة.

ملفّ النازحين

إلى ذلك، تابعَت لجنة خليّة الأزمة الوزارية البحثَ في ملفّ النازحين السوريين في لبنان، في اجتماع عَقدته عصر أمس في السراي الحكومي برئاسة سلام وحضور وزراء: الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والشؤون الاجتماعية رشيد درباس.