منذ أكثر من أربعين عاماً ونحن نجتر نفس الكلمات المريضة والسقيمة والعقيمة،والبعيدة كل البعد عن منطق الوعي والحكمة والمنطق في مقارعة ومحاربة الإمبريالية، وحين يريد أحدنا أن يُحلِّل أو أن يبدي رأياً وخصوصاً ما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وأصبحنا مكبلين بقيود إلى الوراء وما بعد الوراء وإلى الوراء دُرّ، ينبري لك صُنَّاع النصر والإنتصارات بأنَّ العدو الإمبريالي واقفٌ لنا بالمرصاد،حتى أصبحنا نصدِّق مقولة "غاندي" أنه لو إختلفت سمكتان في البحر فإنَّ الإستعمار هو وراء هذا الإختلاف..إلى متى يبقى هذا الفكر المُفلس والمهزوم أن يعدنا بالنصر ويُعيد لنا المجد والكرامة والتاريخ،ونحن ما زلنا بالإنتظار يضيع فيه الزمن وتضيع معه أجيالنا وأجيالاً تحت ركام الكلمات الرنَّانة والشعارات الفارغة والطنَّانة، وما زلنا نهتف لكل من يحكمنا بكلمات الفداء بالروح والدم..
منذ أكثر من أربعين عاماً وما زالت قيادتنا الرشيدة تحثنا بالإسراع على أن نموت ومن دون سبب،وما زالت أحزابنا تُسرع الخُطى بالبحث عن الموت في سبيل القضية والهدف، وأن تصير قادتنا روؤساء وزعماء ووزراء ونواب في السلطة ونحن نفديهم بالأرواح والتصفيق والتصفيط..
وما زالت تلك القيادة الرشيدة تعلمنا الرقص وهز الأكتاف ورفع الأيادي وضرب الأقدام على حساب أن ننسى مآسينا ومأساتنا وأحزاننا وفقرنا،وأن نشعر بأننا أقزام أمام حضرة القائد..نحن وحدنا قادرين على تحويل الهزائم والهزيمة إلى إنتصارات ونصر، ونستطيع أن نبتلع المحنة والمأساة ونصدق بأننا منتصرين على الإمبريالية والعدو المتخلف..وما زلنا نصدِّق بأننا خير الأمم وبأننا خير الأمة التي أخرجت للناس، التي تآكلتنا الحروب وفرقتنا إلى قبائل وأحزاب متناحرة، ومشاكلنا الداخلية ودماؤنا المستباحة والشعارات التي رسمناها فوق أعيننا لا تفارقنا إلا عن النوم...
ما زلنا في بلدٍ تحكمه طبقات الأحزاب والعائلات الحزبية والدينية ونحن بلا كهرباء وبلا تأمين فرص العيش، وما زلنا تحت خط الفقر والدَّين، وما زلنا نتحدى كل العالم من الخليج إلى المحيط، أما آن الأوان بأن تعي سلطاتنا وأحزابنا بأن التنافس ليس في الغلبة على الآخر،وليس بالقدرة على قتل الآخر،وإنما هي في تمكيننا من تقديم ما يخدم هذا الإنسان وهذا البلد، وبالرغم ما لحقنا من هزائم وتراجع،فلم نزل مبهورين بأنفسنا ومغرورين، وليس هذا فقط، وإنما يوجد من يحثنا على أن نعيش الوهم، ونبني دولة الوهم، ونعيش أحلام الوهم فوق أرض الوهم..