استفاق العالم على القرار المفاجئ لفلاديمر بوتين القاضي بسحب أكثر قواته المقاتلة من سوريا، فشكك الحلفاء بالخبر واستقبله الخصوم على حذر، إلى أن صار خبر الأمس يقين اليوم مع انبلاج الضوء على أصوات السوخوي وهديرها ولكن هذه المرة وهي تغادر الأجواء السورية للمرة الاخيرة، ونقلت شاشات التلفزة الروسية حفل الإستقبال لطياريهم العائدين.
أعتقد جازماً بأنّ المهم بالموضوع هو نفس الإعلان عن قرار الإنسحاب، أكثر بكثير من مضامينه الميدانية، وهل أنّه يطال كل القوة الجوية أو عدد الطائرات المتبقية وحجم تأثيرها وما يحكى عن الإبقاء على القاعدة البحرية وما إلى هنالك، فكل هذا إنّما يعتبر تفاصيل صغيرة لا تقدم ولا تؤخر، فأعداد الطائرات وفعاليتها الميدانية ليس هو الأساس بعد الإعلان حتى ولو كان مجرد إعادة تموضع أو انتشار للقوة الروسية.
لأنّه وبكل بساطة كان بإمكان الجانب الروسي تخفيف أو زيادة قواته العاملة على الساحة السورية من دون الحاجة إلى الإعلان عن ذلك وعلى لسان بوتين نفسه، وهنا بالتحديد يكمن أهمية الحدث مهما حاول محور الممانعة ووسائل إعلام نظام الأسد التخفيف منه عبر تسليط الضوء على الأمر من زاوية تقنية بحتة.
ولا بد من التذكير هنا بأنّ " الإعلان" عن هذا الإنسحاب إنّما جاء عشية بدء المباحثات في جنيف بين المعارضة والنظام تحت ضغط دولي كبير سبقته تهدئة مفروضة عليهما، وبالأخص على جانب النظام الذي حاول إفشال المفاوضات حتى قبل أن تحصل عبر رفع الأسقف الإشتراطية ووضع خطوط حمراء كما جاء على لسان وليد المعلم وبشار الجعفري. ممّا يعني أنّ وفد النظام الذاهب إلى جنيف فإنّه يذهب وعلى أكتافه أثقال وتبعات هذا الإعلان المفاجئ، وخالي الوفاض من سند قوة عظمى بحجم روسيا، ويمكن هنا تصور الموقف والمقارنة بين وفد بدون إعلان الإنسحاب ووفد بعد الإعلان لندرك حجم الموقف وما سوف تؤول إليه الامور.
يمكن القول ببساطة أنّ " الإعلان " يعتبر صفعة سياسية ضخمة نزلت كالصاعقة على رأس النظام، هذا من حيث القراءة الأولية وبدون الحاجة إلى معرفة المقدمات والأسباب التي أدّت إليه وما يُحكى عن صفقة روسية - سعودية برعاية أميركية تبدأ بأوكرانيا ولا تنتهي عند أسعار النفط مروراً بأنابيب الغاز.
يبقى السؤال الكبير والذي يؤرقنا ويؤرق اللبنانيين هو عن ردة فعل حزب الله وكيف سيتصرف بعد هذا المعطى الجديد، وهل سيعمد الحزب إلى محاولة سدّ الفراغ الروسي إذا جاز التعبير بإرسال المزيد من المقاتلين والتعويض عن الإنكشاف الجوي الذي خلفته السوخوي؟
وللإجابة عن هذا التساؤل الكبير، لا بدّ من الإشارة أولاً أنّ في ثقافة حزب الله وقيادته وبالخصوص ما هو عليه الأمين العام من خلفية عقائدية لا يوجد في قاموسه الحربي وأدائه الميداني أيّ مساحة للبراغماتية فضلاً عن عقدة الوعد بالإنتصار الدائم يضاف عليهما ما سمعناه منذ المراحل الأولى لدخوله بالحرب من شعارات مرعبة مثل "لو قتل ثلاثة أرباعنا " أو " أين يجب أن نكون سوف نكون " فأنا لا أستعبد المزيد من التورط للحزب والذهاب بعيدا بخياراته " الكربلائية " إذا ما ترك الخيار للقيادة في لبنان ، ليبقى الامل الوحيد في تقييده عن هذا الخيار الإنتحاري هو بالتدخل الإيراني، وبتأكيد فإنّ المقصود هنا ليس الحرس الثوري .