أمّا وقد انسحبت روسيا بأقل قدر ممكن من الخسائر،ذلك أنّ النظام الروسي الذي حقّق بعض المكاسب الاستراتيجية في الدخول إلى حلبة الشرق الأوسط من البوابة السورية، البوابة الوحيدة المتاحة له في الشرق الأوسط.
إلاّ أنّ الكلفة الباهظة في حرب مفتوحة شبيهة بالحرب السوفياتية الأفغانية أواخر القرن الماضي،لا يستطيع النظام الروسي الاستمرار في تكبّد هذه الخسائر المتمادية، في ظل تدهور أوضاعه الاقتصادية وتدني أسعار النفط، لذا فإنّ مبررات الانسحاب من الميدان، كانتهاء المهمة الموكولة للطيران الحربي، أو تأمين فرص مشجعة لانطلاق عمليات التفاوض والتمهيد للحلول السلمية تبدو تافهة ، ومضحكة في آن واحد، فالمشهد السوري ما زال معقدّاً ومحفوفاً بالالغام الشائكة، والتي قد تنفجر في وجه الجميع عند أي منعطف.
فما زالت الجماعات الإرهابية في واجهة الأحداث، وما زال النظام السوري العاجز والمفكّك مُصرّاً على الاحتفاظ ببعض مكاسبه القديمة وامتيازاته، وزاد الوضع الكردي الأزمة أزمات إضافية لاشتباك الأكراد مع النظام التركي، أمّا الوجود الإيراني وحربته المتقدمة حزب الله فما زال عقدة العُقد، فقد ذهب كثيرون خلال الستة أشهر التي تلت الدخول الروسي حلبة الصراع، إلى اعتباره منافساً حقيقياً للنفوذ الإيراني في سوريا، وإذ توافقت أهداف الروس والإيرانيين في دعم النظام ومنع سقوطه، وضرب المعارضة المعتدلة، إلاّ أنّ الروس كانوا بمثابة الشريك المضارب للايرانيين لاختلاف المصالح والأهداف الاستراتيجية، فضلا عن علاقة الروس الملتبسة مع إسرائيل، وإن غلب عليها التنسيق والانضباط.
وهاهم الآن يرحلون، ويتركون للنظام السوري وحلفائه خيباتٍ واضحة، يحاول أن يغطيها بالحضور الدفاعي الجوي، والاحتفاظ بالقواعد الجوية والبحرية.
إلاّ أنّ ما يبقى بعد الانسحاب أنّ الإيرانيين سيعودون مرة أخرى إلى واجهة الصراع العسكري المحتدم، ولربّما يغدو المأزق الإيراني ، ومعه مأزق حزب الله، أكثر عمقاً وحراجةً بعد هذا الإنسحاب، فالحزب بعد محاصرته وعزله عربياً ،بات بين فكّي الكماشة، الضغط العربي والضغوط الداخلية، في حين أنّ المواقف الإيرانية ستزداد غموضاً وارتباكاً في الأيام القادمة، مع انطلاق المفاوضات، والفراغ الذي سيُخلّفهُ الفراغ الروسي، وقد تساعد الأيام المقبلة في تظهير الصورة الغامضة ،وإنّ غداً لناظره قريب.